/ صحفة 387 /
القرآن كلام مؤلف من أيجرية لغتنا، مؤلف من الكفاف، والهاء، والياء، والعين، والصاد (كهيعص). مؤلف من هذه الرموز التي يتألف كلامنها منها لينقل أفكارنا وخواطنا من بعض إلى بعض، ولكننا لا نقدر ـ مع ذلك ـ أن فؤلقها في المقياس الجمالي، ثم لا نقدر أن نحمَّلها ما يح ملها إياه هو من المعاني في المقياس الفكري. مواده الخام من موادنا، ولكن بناءه، شكلا ومضموناً، سماوي رفيع، هذا مع أننا أمة بلاغية ممتازة ذات حظ عظيم جداً من رهافة الحس، وسلامة الطبع، ورقى الفكر.
بهذا تحدانا القرآن لينشئ معجزة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من خصائص أمته الراقية. ويجعل هذه المعجزات هي ضم حرف من اللغة إلى حرف، في تراكيب إلهية منزلة، محكمة النتزيل تعبر عن شريعة الله في الأرض.
تعود القدماء أن يقولوا في هذه الرموز ((أ لم، أ لر، ن، ق، الخ)) أشياء كثيرة، كثير منها مضحك، ولكن يبدو أنها لا تقصد إلى شيء غير التعبير عن هذه المعجزة ببساطة هي معجزة أيضاً.
وهي معجزة مسجلة في القرآن. قال الله تعالى: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأثوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)). ((فآتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله)).
ويحدثنا المفسرون والمؤرخون أن نفراً من بلغاء قريش وهم أفصح العرب، عكفوا حينئذ أياماً على صياغة كلمة يردون بها على هذا التحدي، واختاروا هذه الآية: ((ولكم في القصاص حياة)) نموذجاً للتقليد والمعارضة، وأنهم خرجوا بعد مخاض عسير بهذه المولودة: ((القتل أنفى للقتل))، وأن المحكمين من النقاد والعلماء لم يروا هذه الكلمة شيئاً، فهي عاجزة عن الأداء كتعبير قضائي ثم هي باهتة كتعبير جمالية، على حين يتكافأ الشمول والجرس في الآية.
ومن المعجزات المذكورة في القرآن على هذه الصعيد (الفتح)، ولكي تعرف أية معجزة هذه راجع صلح الحديبية الذي نزلت على أثره سورة الفتح، وهناك تتجلى لك معجزة النبي السلمية فيما أظهره من بطولة التدبير والسياسة بجملة