/ صحفة 381 /
ولا أعلم فروضاً أهملت مع عظم خطرها كما أهملت هذه الفورض: أهملها العلماء فتركوها في زوايا الكتب ولم يسلطوا عيها الأضواء كما سلطوها على ما هو أقل منها شأناً، وإن الحيض والنفاس ومسائل المتحيرة لقد أخذت من العناية أكثر مما أخذت هذه الفروض.
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ بالمسلمين ما بلغوه من محبة وتضامن وتناصر حتى كان هجيراه تسليط الأضواء على هذه الفضائل فكان يقول: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وكان يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية ما يحب لنفسه)، وكان يرتب الفضائل درجان ويجعل هذه الفضائل في الذروة.
ونحن نريد أن نبلغ من التعاون والقوة ما بلغوه ولما نعن بهذه الفضائل كما عنوا بها!.
إن فروضاً هذا شأنها كان ينبغي أن نؤخذ بقوة، وأن تلقَّن للصبيان مع اللبن، وأن يُعَلموها في مدارس المرحلة الأولى وبقية المراحل، وأن يكون لها شأن لا يقل عن شأن أركان الإسلام الخمسة، وأن يكون في ذكر كل مسلم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأن يحذر كل مؤمن فوات الإيمان إن أبغض أخاه المسلم أو أبغض مصلحته ـ وكان يجب على علماء الإسلام أن يقفوا محافظين على محبة المسلمين بعضهم بعضا ووحدتهم وتعاونهم، ولكنني لم أر فرضاً أعظم نفعاً ضيع كما ضيعت هذه الفروض، ولم أر حراماً أعم ضرراً ارتكب كما ارتكب المسلمون أضدادها، بل إني أو شك أن أقول إن علماء كل فرقة كان لهم نصيب في توسيع هوة الخلاف بذلك الجدل الجاف الذي يحركونه حول مذاهبهم، وإن الإمام العالم منهم لتبدو منه الكلمة عامة تزرع الأحقاد، وتربي الإحن يقول الزمخشري في تفسيره عند الكلام على رؤية الله في الأشعرية.