/ صحفة 373 /
الاجتماع القرآني على المساواة العادلة التي تحمي الكرامة، وتفتح باب العمل، ويكون الجزاء على قدره.
(9) والأساس الثالث للمجتمع القرآني بعد الأمرين السابقين هو المودة الواصلة بين آحاده، فالإسلام ككل الأديان السماوية يدعو إلى المحبة الإنسانية العامة، فكل مودة واصلة هي من أسسه، وكل قطيعة صارمة هي مما نهى عنه، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، وأن الكافرين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وهو تلك المودة، ولذا يقول سبحانه وتعالى في أوصاف المؤمنين: ((والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب)) ويقول سبحانه وتعالى في أوصاف الكافرين والمنافقين: ((والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)).
ولقد وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالرحمة، وهي شعبة من شعب المودة فقال سبحانه: ((أشداء على الكفار رحماء بينهم)) ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرحمة، فقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تنزع الرحمة إلا من شقى).
وليست الرحمة التي يتصف بها المؤمن هي الرحمة التي تقضي العفو عن الآثمين في حق المجتمع، بل الرحمة التي دعا إليها هي الرحمة بالمجموع، والمودة التي لا يكون فيها تعاون على الإثم والعدوان.
إن الرحمة التي يدعو إليها الإسلام في المجتمع ليست هي الشفقة التي لا تبني عليها مصلحة، بل قد تبني عليها المضرة كل المضرة إنما هي كرحمة الطبيب بالمريض إذ يتناول مبضعه فيشق بطنه فيقطع الجزء المتوفى، وكرحمة القاضي بالمجتمع إذ يحكم بقطع عضو متوفى من جسم الأمة ليسلم الباقي من آفاته، ويدفع عن الجماعة ويلاته، فهي رحمة بانية مصلحة لا شفقة مفسدة.
هذا هو الأساس الثالث من أسس الاجتماع القرآني.