/ صحفة 370 /
والهدى المحمدي السمتقيم، ولكنا نقول إن ذلك هو مقتضى النصوص القرآنية الكريمة وما ترمي إليه، والفقهاء قد ادركوه ودونوه، ولم يتركوا مقالا لقائل، وهذا ما قاله الشاطبي في موافقاته في الفروض الكفائية، فاقرأه فكأنك تقرأ كاتباً يكتب في عصرنا، فقد قال رضي الله عنه في الفرض الكفائي:
((إن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة، فهم مطالبون بسدها على الجملة فبعضهم قادر عليها مباشرة، وذلك من كان أهلا لها والباقون وإن لم يقدروا قادرون على إقامة القادرين، فمن كان قادراً على الولاية فهو مطلوب بإقامتها، ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر هو إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها، فالقادر إذن مطلوب بإقامة الفرض، وغير القادر مطلوب بتقديم ذلك القادر، ذإ لا يتوصل إلى قيام القادر إلا بالإقامة، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)) ثم بين أن واجب الأمة أن تقيم الصناعات التي لابد منها، مع العلم بأن مواهب الناس مختلفة وقدرهم في الأمور متباينة متفاوتة فهذا قد تهيأ للعلم، وهذا للإدارة وذاك للصناعة وآخر للصراع، والواجب على الأمة أن تهيء لكل امرئ ما يسر له حتى يبرز كل واحد فيما يقدر عليه، ويشير إلى أن يُعَلم كلٌّ في ابتداء الأمر تعليما واحداً، ومن يتخلف في مرحلة يتخلف في موضع يحتاج إلى واجب كفائي، فمن يتخلف مثلا بعد المرحلة الأولى فهنا الصناعات اليدوية تحتاج إليه وهكذا، ولذا يقول: ((ولذلك يتربى لكل فعل هو فرض كفاية ـ قوم: لأنه سير أولا في طريق مشترك، فحيث وقف السائر وعجز عن السير فقد وقف في مرتبة محتاج إليها في الجملة، وإن كان به قوة زاد السير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات في المفروضات الكفائية. وبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة، فأنت ترى أن الترقي في طلب الكفاية ليس على ترتيب واحد، ولا هو على العامة بإطلاق، ولا هو على البعض بإطلاق، ولا هو مقصود من حيث المقاصد دون الوسائل، ولا بالعكس، بل لا يصح أن ينظر فيه نظر واحد، حتى يصل بنحو من هذا التفصيل، ويوزع في أهل الإسلام بمثل هذا التوزيع(1) )).

ــــــــــ
(1) الموافقات الجزء الاول ص 119، 124.