/ صحفة 369 /
التي زكاها القرآن فقد قال تعالى: ((هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور)).
(5) ولقد أجمع علماء المسلمين ـ مستنبطين إجماعهم ـ من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف هذه الأمة ـ على أن العلوم الكونية والهندسية والطبيه وغيرها مما يُمَكن للإنسان في الأرض ويُسَخِّر له لك ما فيها وما يحيط بها ـ من الفرائض الكفائية، وهي الفرائض التي يجب على الأمة في مجموعها تحقيقها، فإن قام بها البعض سقط الإثم عن الباقي، وكان لمن قام بها فضل جزائه، ولغيره فضل تسهيل هذا والواحب عليه، وإن لم يقم أحد بهذا الواجب من الأمة كان عليها مجتمعة الإثم.
ولذلك قرر الفقهاء أن على الأمة أن تهيء شبابها للقيام بهذه الوابجات الكفائية، فإقامة المصانع والمسالح أمر واجب وجوبا كفائياً على الامة كلها، وإيجاد الاطباء وأماكن الاستشفاء والمصحات أمر لازم لزوما كفائياً، وإيجاد العلماء المنقبين الذين يستخرجون أنزال الأرض، فيخرجون من ثنايا الطبقات الأرضية المعادن بأنواعها سائلة أو جامدة فِلِزَّات أو أحجاراً نافعة، ولهذا أوجبوا على الأمة أن تهيء الأسباب لتعليم النشء فيها، وتعرف كفاياتهم والواجبات الكفائية التي تتناسب مع هذه الكفايات، فمن تقاصرت به مقدرته العقلية عن أن يستبحر في علم من العلوم، وقف عند ذلك وكان عاملا يدوياً، أو تاجراً أو زارعا أو نحو ذلك على أن يعلم ويدرب على ذلك تدريباً يجعله ينتج فيما يعكف عليه إنتاجا حسناً، ومن كانت كفايته تتجه إلى ناحيه البحث النظري وجه إليه، ومن كانت كفايته تتجه إلى الهندسة أو شعبة من شعبها وجه إليه، وهكذا.
(6) وقد يقول قائل إن هذه روح العصر، وقد أخذت منها ما جعلته حكما فقهياً، وليس فيه نص عند الفقهاء ولم يصلوا إليه، ذلك قول من ينكر على الاقدمين من فقهاء المسلمين أنهم فهموا أسرار دينهم، ومرامي القرآن الكريم،