/ صحفة 37 /
وهذه هي سنة جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، فهي تعمل على جمع كلمة أرباب هذه المذاهب بالتي هي أحسن، وتسعى الي ازالة ما يكون بينهم من نزاع بطريق السلم، ليحل الصفاء محل الجفاء، وتجتمع الكلمة بعد التفرقة، مع بقاء كل فريق على مذهبه ان أراد، لأنه لا يدخل في غايتها توحيد هذه المذاهب، ولا حمل المسلمين على مذهب واحد منها، اللهم الا إذا أراد بعض الطوائف الرجوع عن مذهبه من نفسه، لأن مثل هذا لا تمانع فيه جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، لأنها تترك الباب مفتوحا في ذلك، فمن شاء بقي على مذهبه من المسلمين، ومن شاء رجع عنه إلى مذهب آخر من المذاهب الإسلامية، وإذا كان الإسلام لا يرى أن يترك الناس الكفر إلى الايمان بوسائل القهر، وإنّما هي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فانه لا يرى من باب أولى أن يترك مذهب فيه إلى مذهب آخر بوسائل القهر، وإنّما هي الدعوة أيضاً بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا تحسن هنا الا إذا كان فيها فائدة ترجى، اما إذا كانت بحيث تزيد في شقة الخلاف، وتقضى على ما بين المسلمين من صفاء، فانه يجب العدول عنها، حرصا على مصلحة المسلمين، وايثاراً لجمع كلمتهم.
أما عبدالله المأمون فانه سار في طريق آخر غير هذا الطريق المأمون، ورأى أن يعقد للفرق الدينية مجالس مناظرة، ليدور فيها البحث فيما بينهم من خلاف، ويعرف كل منهم ما عند الآخر من دعوى ودليل، ويزول الخلاف بينهم بالاقناع والاقناع، فأمر يحيى بن أكثم قاضي قضاته ـ وكان من أهل السنة ـ أن يجمع من أجل هذه الغاية وجوه الفقهاء وأهل العلم من أهل بغداد، فاختار له من أعلامهم أربعين رجلا، فلما حضروا، جلس المأمون لهم، وسأل عن مسائل، وأفاض في فنون الحديث والعلم، فلما انفض ذلك المجلس قال ليحيى ابن أكثم: يا أبا محمد، اني لأرجو أن يكون مجلسنا هذا بتوفيق من الله وتأييده على اتمامه سبباً لاجتماع هذه الطوائف على ما هو أرضى وأصلح للدين، اما شاك فيبتين ويتثبت فينقاد طوعا، واما معاند فيرد بالعدل كرها.