/ صحفة 368 /
وقد كان بعض الفلاسفة يعتبرون المعرفة الصحيحة مقياس الخير والشر، والحد الفاصل بين الفضيلة والرذيلة، فكان سقراط في اليونان يرى أن أساس الخير هو المعرفة، وأن من علم الخير عمل به، وسواء أكان نظره مستقيما أم كان غير مستقيم، فمن المؤكد أن المعرفة الصحيحة سبيل للخلق الفاضل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ولقد كان كونفشيوس ـ حكيم الصين الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ـ يرى أنه لا سبيل لسياسة فاضلة، ولا لخلق فاضل، ولا لاجتماع فاضل، إلا إذا علمت الحقائق، وصححت الألفاظ، ووضع كل لفظ على مدلوله الحقيقي، وقد سئل عما يصلح السياسة فقال تصحيح الألفاظ، ذلك في جملة كلام صحيح، فإن تصحيح الألفاظ، وإطلاق كل لفظ على معناه الحقيقي أمر ضروري لصلاح المجتمع، فلا صلاح لمجتمع تطلق فيه كلمة الحرية على الفوضى، وحرية الفكر على فوضى التفكير، وكلمة الشورى على الاستبداد، وكلمة النظام على التضيق والإرهاق، وكلمة العزة على ما يتضمن في معناه الذلة، ولذلك يكون المجتمع الذي تضطرب فيه الحقائق ذلك الاضطراب، وتختلط فيه الألفاظ ذلك الاختلاط مجتمعاً غير صالح، وأول إصلاحه هو تصحيح الالفاظ، وبعبارة أدق: المعرفة الصحيحة في كل شيء.
(4) ومعما يكن من الأمر بالنسبة للمعرفة عند الفلاسفة الأقدمين ـ وقد أجمعوا على إنها دعامة في كل مجتمع فاضل ـ فإن الهدى القرآني قد حث عليها، ودعا إليها المسلمين كافة
والمعرفة التي هي ضرورية لكل بناء اجتماعي سليم، والتي اعتبرها القرآن أساس المجتمع الفاضل؛ ليست مقصورة على العلوم الدينية، وقد أشارت آياته إلى ذلك بل صرحت به، إذ أن هذه الآيات تتجه نحو العلم بالكون وما يجري فيه، فالعلم بما في الكون، والسير في الأرض، والضرب فيها ابتغاء للرزق، وطلباً لأنزَالها المستكنة فيها، أمر مطلوب، والعلم به من المطالب الإنسانية الضرورية