/ صحفة 362 /
إلى غير ذلك من الايات التي تجد الحجة فيها مسوقة إلى قوم لا ينازعون في أن الله هو ربهم ورب كل شيء، لإلزامهم بأن الرب الذي يعرفونه، ليس هو الوثن الذي يعبدونه، وإنما هو الله.
وقد جاء من هذا المعنى في سورة الأنعام قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون). (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين، قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون).
فهذا تحكيم لضمائرهم وما استكن في قلوبهم وما عرفوه في أنفسهم من رجوعهم إلى الله وحده حين الشدة، ونسيانهم الشركاء.
وجاء فيها أيضاً قوله جل شأنه: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأيصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به؟ انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون).
وهذا تحكيم لهم فيما يعرفونه من أساس الخلق، وكون الخالق هو الله وحده، ولهذا كله تقول السورة بعد أن عددت كثيراً من مظاهر الربوبية (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه، وهو على كل شيء وكيل).
وأما الحجة بهذا على غير العرب ممن لا يعتقدون بإله خالق، وإنما يرون هذه الحياة وما فيها من باب المصادفات والتفاعلات، أو ممن يعتقدون أن هناك إلها للخير وإلها للشر، أو آلهة متعددين، فإنها لا تأتي من إيمانهم بمثل ما آمن به العرب من ربوبية الله لكل شيء، ولكنها تأتي من لفت الانظار إلى ما في الكون من صنعة محكمة، ونظام بديع مطرد شامل لكل شيء، وأن العقول ليس من شأنها أن تتقبل الزعم بأن هذا الاطراد في السنن والنظم ملايين السنين كله إنّما كان عن مصادفات وتفاعلات، أو إنه من صنع آلهة متعددة مع أن التعدد سبب للاضطراب والفساد لا للإتقان والتناسب والاطراد.
إن النظر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء لابد أن يثمر