/ صحفة 359 /
إن الاغراض الرئيسية التي استهدفتها هذه السورة الكريمة هي تركيز العقائد الأساسية الثلاث التي كان المشركون يومئذ ينازعون فيها، ويبنون أفكارهم وأعمالهم وتصرفاتهم على ما ينافيها، وهذه العقائد الأساسية هي:
أولا: توحيد الله، ويتصل بهذه العقيدة إقامة الدليل على وحدة الالوهية بلفت النظر إلى آثار الربوبية، والي صفات الأله الخالق المالك المتصرف كما يتصل بها إبطال عقيدة الشر:، وشبه المشركين، وتقرير أن العبادة والتوجه والتحريم والتحليل إنما ترجع إلى الله.
ثانياً: الإيمان برسوله الذي أرسل، وكتابه الذي أنزل، وبيان وظيفة هذا الرسول، ورد الشبه التي ثار حول الوحي والرسالة.
ثالثاً: الايمان باليوم الآخر وما يكون فيه من جراء.
وحدة الربوبية دليل على وحدة الألوهية:
بدأت السورة بتقرير الحقيقة الاولي في كل دين، وعلى لسان كل رسول تلك الحقيقة التي تؤمن بها الفطر السليمة، ويدل عليها هذا العالم بأرضه وسمائه وما فيه من مخلوقات ناطقة وصامتة، ظاهرة وخافية، وما فيه من تحولات وتقلبات، ونور وظلمات، وهذه الحقيقة هي إن الإله الذي له ((الحمد)) المطلق، والتن.يه الذي لا يحد هو الله، لأنه هو الذي، خلق: وهو الذي (جعل)، فالخلق إنشاط وإيداع، والجعل تصريف وتقليب، والعالم أجمع في دائرتيهما، فلا ينفك شيط منه، عن كلا هذين المظهرين: (خَلق) و(جعل)، ومقتضد ذلك أن المخلوق المجعول لا يمكن أن يتسامى إلى مرتبة الخالق الجاعل فيعد كما فيعبد، ويقصد كما يقصد، فذلك هو مطلع السورة: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) وكل ما جاء في هذه السورة إنما هو بيان أو تفصيل أو تمثيل أو تطبيق على هذه الحقيقة أحيانا بصفة مباشرة، وأحياناً بوسائط تقرب أو تبعد.