/ صحفة 358 /
لو أن ناظراً في هذه السورة أراد أن يتخذ منها ذلك؛ لاستطاع ولوجد فيها ما يبتغي.
ولو أنه أراد أيضاً أن يجمع ما جاءت به، أو أشارت إليه من مبادء الإصلاح الإسلامي للعالم، ومن السنن الكونية، والنواميس التي أرشد الله الناس إليها؛ لجمع من هذا وذاك الكثير النافع.
ولهذا جاءت الروايات ببيان فضل هذه السورة وأن الله تعالى أنزلها مشيًّعةً بالملأ العظيم من ملائكته، وفي ذلك يقول الإمام الرازي في تفسيره ((مفاتيح الغيب)) ((إن هذه السورة اختصت بنوعين من الفضيلة، أحدهما أنها نزلت دفعة واحدة، والثاني أنها شيعها سبعون ألفاً من الملائكة، والسبب في ذلك أنها مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين)).
ويقول القرطبي ((قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور، وهذا يقتضى إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة، وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة وعليها بنى المتكلمون أصول الدين)).
وأقول: ولعل هذا هو السر في أن هذه السورة جعلت أول سورة مكية في المصحف من السور الكبار، كما جعلت سورة ((البقرة)) أول سورة مدنية في المصحف، بل أولَ المصحف باطلاق بعد فاتحة الكتاب، لأنها أول سورة نزلت بالمدينة، ولما جمعته من أصول الدين، وأصول الشريعة وبيان أحوال أهل الكتاب والمشركين والمنافقين، وبيان الخلق والتكوين، وأهم الأحكام العملية.
الأغراض الرئيسية لهذه السورة:
بعد هذا نعرض للأغراض الأساسية لهذه السورة على وجه من الاجمال مبينين صلتها بالبيئة المكانية والزمانية حين نزولها. ضاِّمين من أيات السور الأخرى ما يشابه آياتها، ويعين على مهمتها، ومعرفة ما ترمر إليه، فنقول: