/ صحفة 356 /
الفترة التي نزلت فيها هذه السورة كانت فترة
نضال فكرى عنيف بين الإسلام والشرك:
علمنا أن هذه السورة نزلت بمكة في السنة الرابعة من البعثة، وأن ذلك كان عقب أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يصدع بالدعوة، ويعلنها للناس بعد أن أسرَّ بها ثلاث سنين، وأنه قد نزل قبيل نزول هذه السورة سورٌ أخرى تتلاقى معها في كثير من أغراضها وأساليب عرضها، وأقربها إليها سورة الحجر التي نزلت قبلها مباشرة.
وهذه الفترة من فترات الدعوة الإسلامية كانت فترة عنيفة أشد العنف، مملوءة بالمقاومة من الجانبين كأعظم ما تكون المقاومة، فالمشركون مأخوذون بهذا النجاح الذي صارت إليه الدعوة حتى استطاعت أن تستعلن بعد الخفاء، وأن تتحدى في صوت عال، ونداء جهير، بعد أن كان المؤمنون بها يلجأون إلى الشعاب والأماكن البعيدة ليؤدوا صلاتهم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم ماض فيما أمره به ربه من الصدع بدعوة الحق، يتلو عليهم ما أنزله الله عليه من كتابه، وفيه إنذار لهم، وتفنيد لمعتقداتهم، وتسفيه لآرائهم، وإنكار لآلهتهم، وتهكم على أوثانهم وتفاليدهم البالية، فكان منهم من يستمع إلى القرآن متأثراً بقوته أو متذوقا لبلاغته، وكان منهم من ينأى عنه خوفا منه، وهؤلاء وأولئك يتواصون مع ذلك بالنأي عنه، ويأخذ بعضهم على بعض العهود الوثيقة في ذلك ثم لا يلبثون أن يتقابلوا عنده أو في طريقه ذاهبين إليه، أو منصرفين منه، يتكرر ذلك المرة بعد المرة، ويتلاوم عليه المتلاومون ثم يعودون.
يومئذ واجهت دعوة الحق أعداءها مسفرةً واضحة متحدية، ووقف هؤلاء الإعداء مشدوهين مضطربين يشعرون في أعماق نفوسهم بصدقها وكذبهم، ويترقبون يوما قريباً لا نتصارها وانهزامهم، ولا يجدون لهم حيلة إلا المكابرة والمعارضة المستميتة بما درجوا عليه من العقائد الباطلة، وبادعائهم كذب الرسول، وبزعمهم أن إرسال الرسل من البشر أمر لم يقع من قبل، وأن الله لو شاء إبلاغ