/ صحفة 352 /
فقبل الآيةُ ذِكرَ الأنبياء واحداً بعد واحد، وهم يمثلون قروناً متطاولة من عهود البشرية، وقبل الآية أيضاً يقول الله تعالى: ((إن هو إلا ذكري للعالمين)) وفي الآية: ((الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس)) وبعد الآية عن القرآن ((لتنذر أم القرى ومن حولها)) كل ذلك يشعر بأن المعنى في قراءة الخطاب على مخاطبة البشر الذين من شأنهم أن يعجبوا من ذلك ويترددوا في حصوله إذا لم يتدبروا، وبذلك تكون الآية مكية، ويحَل إشكال القراءة المشهورة، والله أعلم.
(4) تأتي بعد ذلك الآية الثالثة والتسعون: ((ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه بشيء)) ظنوا أن المقصود بالكلام مسيلمة الكذاب والأسود العنسي اللذان ادعيا النبوة في السنة العاشرة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه، والرواية ـ إن صحت ـ من قبيل تقرير أن حكم الآية يشمل هذا الادعاء، لا أنها نازلة في ذلك خاصة، على أنهم صرحوا بعدم صحة هذه الرواية، وطعنوا في كل ما ورد متعلقا ببيان سبب نزول هذه الآية.
(5) أما الآية الرابعة عشرة بعد المائة من هذه السورة فسبب اشتباههم فيها وحكمهم بأنها مدنية هو ما جاء فيها من قوله تعالى: ((والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين)) فلمّا رأوا أن الحديث عن أهل الكتاب وهم في المدينة قالوا الآية مدينة، وقد علمت أن هذا اجتهاد لا نقل، لأنه لا مانع من الحديث عن أهل الكتاب في مكة فقد كانوا يتصلون بهم ويسألونهم عن النبي ويصفونه لهم ويستخبرون خبره منهم، والرواية ضعيفة مع ذلك.
(6) والآية الحادية والأربعون بعد المائة نزلت في سياق تحريم المشركين ما لم يحرم الله من الأنعام والحرث، وقد ظنوا أنها مدنية بقوله تعالى فيها ((كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)) قالوا إن الزكاة لم تفرض إلا في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة وهذه الآية تشير إلى حق الحرث، وهو الزكاة المفروضة وبذلك يقول بعض أهل العلم واصحاب الرواية. والحق أن الآية في الصدقة المطلقة