/ صحفة 349 /
لإنزال شيء من الكتب من عند الله في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة: ((من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى)) وهو التوراة التي قد علمتهم وعلم كل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران؟ أ هـ كلام ابن كثير.
ثانيها: أن الآية تقول بعد ذلك: ((وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم)) وذلك في المشركين أظهر، لأنهم لم يكونوا على علم كأهل الكتاب، ويؤيده ما جاء عنهم في مثل قوله تعالى: ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)). ((هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم يعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)) وإذا ترجح بهذا أن الخطاب في هذه الجملة للمشركين كان من البعيد أن يكون ما قبلها في الآية نفسها خطابا لقوم آخرين.
ثالثها: أن الآية التي جاءت بعد هذه تشير إلى القرآن الذي أنزله الله على محمد لينذر به أم القرى ومن حولها: ((وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها)) فهي تضم القرآن إلى التوراة في رد ما ألفوا أن يقاوموا به دعوة الحق من إنكار الوحي إلى البشر، فكأنه يقول لهم: إن الله تعالى ينزل الوحي على رسله، وذلك هو كتاب موسى الذي سمعتم به، وهذا هو القرآن الذي ينزل فيكم مصدقا لما بين يديه، ومباركا، وعاما للناس أجميعن.
رابعها: أن السياق قبل هذه الآية التي ظنوها مدنية قد عنى باستعراض الأنبياء الكرام بعد قصة محاجة إبراهيم لقومه، في آيات متوالية من قوله تعالى: ((ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا)) إلى قوله جل شأنه: ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين)).
فهذا السياق يرشد إلى أن الغرض هو الرد على ما يزعمه المشركون في مقاومتهم للرسول من أن الله تعالى لا ينزل على البشر كتباً، فلذلك عد الله تعالى في هذه الآيات أكثر الأنبياء، وأنبأ أنه هو الذي هداهم وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة وأن أمرهم ثابت وإنزال الوحي عليهم ثابت، فإن يكفر بهذه الحقيقة هؤلاء