/ صحفة 348 /
(3) وأما الآية الحادية والتسعون من سورة الأنعام فهي مكية أيضا كساثر آيات السورة، وإنما وقع الاشتباه من أن فيها خطاباً حسبوه لليهود، فالآية هي قوله تعالى: ((وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله عل بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)) والاشتباه جاء من قراءة: ))تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا)) بتاء الخطاب، قالوا: فالذين كانوا يجعلون الكتاب الذي جاء به موسى قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا هم اليهود، وهم المخاطبون، فلا بد أن تكون الآية نزلت بالمدينة، لأنه لا يخاطب في مكة من كان بالمدينة.
وهذه الشبة وإن بدت قوية يعارضها أمور:
أحدها: أن اليهود لم يكونوا ينكرون إنزال الله وحيه على البشر، وكيف ينكرون ذلك وهم أتباع نبي جاء بالوحي وبين أيديهم كتابه الذي أنزله الله عليه وهو التوراة، وإنما الذين ينكرون أن لله رسلا من البشر هم كفار مكة، وفي ذلك بقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: ((قال ابن عباس ومجاهد وعبد الله ابن كثير: نزلت في قريش، واختاره ابن جرير، وقيل نزلت في طائفة من اليهود، وقيل في فنحاص ـ رجل منهم ـ وقيل في مالك بن الصيف، ((قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)) والأول أصح، لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من البشر كما قال ((أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس)) وكقوله تعالى: ((وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا)) وقال هنا ((وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)) قال لله تعالى: ((قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس)) أي قل يا محمد لهؤلاء المنكرين