/ صحفة 346 /
فهذه الرواية تدل على أن أهل مكة كانوا يأتون أهل الكتاب ويسألونهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ورد في رواية أخرى ذكرت في تفسير سورة الكهف أن قريشا بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط على رأس وفد منهم إلى أحبار يهود يسألونهم عن محمد ويصفون لهم صفته ويستخبرونهم عنه. الخ. ومعنى كون الآية نزلت في ذلك أنها نزلت متضمنة الرد على ما زعموا من أن أهل الكتاب لا يعرفون النبي، وليس في كتبهم ذكر له، فالله تعالى قد أنزل هذه السورة جملة واحدة، وفيها الرد على ما كان المشركون يزعمونه، ومنه هذا الزعم المروي عن أهل الكتاب، فإذا نظرنا إلى ذلك فهمنا أن الرد عليهم جاء في الآيات الثلاث المبدوءة بقوله تعالى: ((قل أي شيء أكبر شهادة)) فالله تعالى يثبت صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم بشهادته هو، وهي أكبر شهادة، وليس بالرسول ولا بهم حاجة مع شهادة الله إلى شهادة غيره، ثم يكذب الدعوى المزعومة المنقولة عن أهل الكتاب من أنهم لا يعرفون محمداً وليس له ذكر في كتبهم، فيقول: ((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)) أي: فزعمهم الذي زعموا لكم باطل وكذب وافتراء، ثم يقول: ))ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون)).
وبهذا يتبين أن الآيات الثلاث تكوِّن وَحدة متماسكة في معنى معين مقصود في وقت واحد، وأن الذين زعموا نزول الآية الوسطى من هذه الآيات وحدها بالمدينة، إنما اجتهدوا فأخطأوا.
(2) وأما الآية الثالثة والعشرون ـ وهي الآية الثانية من الآيات التي قرروا أنها نزلت بالمدينة ـ فهي أيضا آية متوسطة بين آيةٍ قبلها وأيةٍ بعدها، والآيات الثلاث في معنى واحد، ونحن نسوق هذه الآيات لنرى ما تفيده ثم نعقب برأينا: ((ويم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (22) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون (24))).