/ صحفة 309 /
إسراف وتجاوز وغلو وخروج عن المقدار، والمولدون _ كما يقول الجاحظ(1) _ أفرطوا في الغلو، وليس عنده بأجود، ويمثل الجاحظ للافراط بقول شاعر في وصف كلب بسرعة العدو (كأنما يرفع ما لا يضع) ويمثل المبرد في بعض استطراداته بقول الاعرابي: (لو ترسل الريح لجئنا قبلها) ثم يذكر أن أملح ما قبل في سرعة العدو وأجوده قول امريء القيس في وصف فرسه بأنه (قيد الاوابد) ويردد ابن قتيبة في كتبه وصف المولدين بالافراط، بل يعيب ما ورد عن القدماء من شعر فيه إفراط، وربما كان لإفراط أبي تمام وأبي نواس وأمثالهما في هذا النوع أثر في حملة أنصار القديم على المحدثين، وإن كان الغلو ورد كثيراً في شعر القدماء، لكن يغتفر للشاعر أن يجيء في قصيدته البيتُ والبيتان أما أن يلح فيه إلحاحا، ويجعله ديدنه وهجيراه فهو الانهيار والسقوط.
وتنتقل المسألة من نظرة يرددها أنصار القديم في كتبهم دون أن يطيلوا في الاحتجاج لها والدفاع عنها، بل دون أن يبينوا بيانا علميا شافيا وجه العيب فيها، وإنما يكتفون بالاعتماد على الذوق، تنتقل من هذا الوضع البسيط إلى قضية ضخمة تتقاتل فيها الافكار والآراء، ويفتح قدامة بن جعفر الباب فيدافع عن الغلو، ويعتبره أساس الجودة عند الشاعر والكاتب، ويذكر أن اليونانيين في شعرهم، بل يزعم أن أهل الفهم للشعر على هذا المذهب، ويذكر الحاتمي أن أهل العلم بالشعر مجمعون على عيب الاسراف، ويش!!!!!!!!!ايعه الجرجاني في الوساطة وابن رشيق في العمدة، وتنتهي المسألة عند المتأخرين من علماء البيان إلى أن الغلو مقبول إذا كان معه ما يسوغه، أما النوع الآخر فلا يكاد يستعمله إلا من عجز عن استعماله المألوف، والاختراع الجاري على الاساليب المعهودة، فلا جرم عمد إلى المبالغة ليسد خلل بلادته بما يظهر فيه من التهويل(1)، وهذا نفسه هو الذي انتهى إليه النقد الحديث، فالكاتب الفج محمول على المبالغة، والنضوج اتزان

ــــــــــ
(1) الحيوان > 2 ص 35 _ طبعة هرون.
(2) الطراز في البلاغة > 3 ص 118.