صحفة 308 /
وأخرج من بين الجلوس لعلني أحدث علنك النفس بالليل خاليا
وإني لا ستغشى وما بي نعسة لعل خيالا منك يلقى خياليا
وفي هذا الشعر:
اشوقا ولما ينض لي غير ليلة ريود الهوى حتى يغبّ لياليا
هذا من أجود الكلام، وأوضحه معنى.
ويستحسن لذي الرمة قوله في مثل هذا المعنى:
أحب المكان القفر من أجل أنني به أتغنى باسمها غير معجَم))
وفي هذه الفقرات التي نقلتها فنون من النقد، وأولها _ كما ذكرت آنفا _ عدم الافراط، فأحسن الشعر _ عنده _ ما قارب فيه القائل، وأحسن منه ما أصاب به الحقيقة، وهذا المعنى الذي صوره الاعشى مردود لما فيه من الافراط والغلو، والمبرد يردد نقده هذا في كتابه أكثر من مرة، فحسن التشبيه عنده ما كان مصيبا والمعنى يقبح إذا كان مجاوزا، وفيما يروى عن المبرد قوله، قد استطرف الناس قول أبي نواس في قدر الرقاشي، ولا أراه حلوا لإفراطه، وهو:
يغص بحيزوم الجرادة صدرها وينضح ما فيها بعود خلال
وتغلى بذكر النار من غير قربها وتنزلها عفواً بغير جعال
ومثله قوله:
عتقت حتى لو اتصلت بلسان ناطق وفم
لا حتبت في القوم مائلة ثم قصت قصة الامم
ويستجيده خلق كثير، وليس عندي بالمحمود لما فيه من الافراط(1)
ولأبي نواس كثير من أمثال هذا الغلو الذي عابه عليه المبرد وأصحابه حتى أسقطوه، بل عابوا المحدثين عامة بها العيب، ففي المحدثين _ كما يقول المبرد
ــــــــــ
(1) الموشح للمرزباني ص 287.