/ صحفة 310 /
في غير ضعف، وقوة في غير اسراف لفظي، وكل كاتب ليس له رأس مال إلا ثقة القاريء، ولا شيء يذهب بهذه الثقة مثل الاسراف.(1)
وجماع القول أن المبرد قد يتخذ هذا الافراط وسيلة إلى أن يجعله غاية على سخف كلام المحدثين، وإن كان النقاد والعلماء بعده لم يذعنوا لرأيه، فمنهم من أسرف ومنهم من توسط.
وثاني هذه الامور إشارته إلى الاختصار القريب، وهو أصل يجعله المبرد من دعائم الحسن والجمال في الكلام، وهو في ذلك جار على طبيعته العربية، وقد جاء حديثه عن الإيجاز في مواضع كثيرة من كتابه، فخير الكلام ما أغنى اختصاره عن كثيره، وإول خطبة خطبها عمر بن الخطاب بعد توليه الخلافة مما يؤثرمن هذه الآداب ويقدم، لأنها _ كما قال العيني _ لم أر أقل منها في اللفظ، ولا أكثر في المعنى، ومن قول المبرد: العربي اللقن الفصيح يرمي بالقول مفهوما، ويرى ما بعد ذلك من التكرار عيا، ومما يستحسن لفظه، ويستغرب معناه، ويحمد اختصاره قول أعرابي من بني كلاب:
هوى ناقتي خلفي وقدامى الهوى وإني وإياها لمختلفان
تحن فتبدي ما بها من صبابه وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني
يريد لقضى علي، فأخرجه _ لفصاحته وعلمه بجواهر الكلام _ أحسن مخرج وبعد أن ينظر لهذا الاستعمال ببعض آي القرآن، وأبيات من الشعر، فيها اختصار وإيجاز، يعقب فيقول، فهذا الكلام الفصيح، ويعرض في موطن آخر أبياتاً رائعة من الشعر، يختارها لقرب مأخذها، ثم يعلق عليها بقوله (فهذا كلام ليس فيه فضل عن معناه).
((يتبع))

ــــــــــ
(1) في الادب والنقد للدكتور مندور ص 22 _ طبعة ثانية.