صحفة 307 /
رجلا عالماً مقدما شاعراً مفلقا، وخطيبا مصقعا، فلهُ في شعره شدة كلام العرب، وحلاوة كلام المحدثين، ولا يزال قدرمي في شعره بالمثل السائر، والمعنى اللطيف، واللفظ الفخم الجليل، والقول المتسق النبيل، وقصيدته لها طول وامتداد، وإنما نملي منها ما اخترنا من نحو ما وصفنا، ثم يختار من القصيدة قرابة أربعين بيتا، لا يرى نفسه في حاجة إلى أن يشرح كلمة منها.
أما الاساس الذي بني عليه المبرد نقده، فهو الاساس الذي يتخذه أنصار القديم نبراساً لهم، وأنصار القديم في الشرق والغرب، إنما يتذوقون من الآداب ما كان على طراز المثل الاعلى لهم، وهو الادب القديم، وهذه الآداب تمتاز بصفات تكاد تكون واحدة فيما يتعلق باللفظ وبالمعنى، ومن أبرز هذه الصفات الوضوح، ومتانة الصياغة وجودة الاسلوب، والبساطة.
وهذه الصفات هي التي يدور عليها _ كما لاحظت _ كل نقد المبرد، فهي كالاساس لكل نظرة من نظراته النقدية، ويمكن أن نرجع إليها كل لمحة منه في الحكم على كلام بالجودة أو الرداءة.
فمن أول ذلك (البعد عن الافراط) وذلك حيث يقول معلقاً على قول الشاعر:
فلو أن ما أبقيت مني معلق بعود ثمام ما تأود عودها(1)و غيي
فقد وصفه بالإفراط والتجاوز، ونظر له بقول القائل:
ويمنعها من أن تطير زامامها.
ثم قال:
((واحسن الشعر ما قارب فيه القائل إذا شبه، وأحسن منه ما أصاب به الحقيقة، ونبه فيه بفطنته على ما يخفى عن غيره، وساقه برصف قوى، واختصار قريب، قال قيس بن معاذ:
ــــــــــ
(1) الثمام نبت ضعيف واحدته ثمامة.