صحفة 306 /
ورسالة بليغة، والنيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب، أو معنى مستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحاً شافياً)).
فأبو علي لا يترك بابا من اللغة إلا أشبعه، وقد أودع كتابه غرائب من اللغات، وأبو العباس يكتفي بأن يفسر ما ورد في كتابه من الغريب _ حين يقع _ وهمَّ صاحب الأمالي التوسع في شرح المفردات اللغوية، وذكر الابواب التي تتصل بها، أما مهم صاحب الكامل فهو النحو يشرح كل باب يرد في كتابه شرحا شافياً، وقد أصاب أبو علي محمد بن حزم شاكلة الصواب حين قال في وصف الكتابين: ((كتاب نوادر أبي علي مبار لكتاب الكامل الذي جمعه المبرد، ولئن كان أبو العباس أكثر نحواً وخيراً، فإن كتاب أبي على أكثر لغة وشعرا)).
ومزاج الرجلين مختلف، فأبو علي مولع بالنوادر يجمعها، وبالشوارد يعقلها، وبالغامض يعلمه، والدقيق يعرفه، أما أبو العباس _ فكما قلت في حديث سبق _ كان مولعا باللطائف من الاخبار، والروائع من الخطب والاشعار.
ولا نشك في أن المبرد أطلع على أكثر هذه الاخبار التي يمكن أن نسميها (أخباراً لغوية) والتي أكثر منها أبو علي. وخلو كتابه من أكثرها يدلنا على أنه كان يتجاهلها، وأنه لم يكن يدخل في تقديره للأساليب، وإعجابه بها، هذه اللغويات، ولو كان كذلك لوجد في ذاكرته مدداً فياضاً لارضاء هذه النزعة فيه، إن أبا العباس كان يتهم بالوضع في اللغة، لكثرة حفظه لها ولغريبها.
وإذا تأملنا صنيعه وجدنا أن الشعر الذي يحكم عليه بأنه فصيح جداً، والخطب التي يحكم بأنها رائعة، والكلمات التي يقول إنها من روائع الآداب، تتسم كلها بسمة واحدة هي السهولة والوضوح، بل نراه يدون باباً من أبواب كتاب يذكر فيه طرائف من حسن الكلام، وجيد الشعر، وسائر الأمثال ومأثور الأخبار، وليس فيه كلمة واحدة احتاجت إلى شرحه.
ونراه حين يختار يقدم بين يدي اختياره أوصافا، هي التي دعته للاختيار، فمثلا يختار قصيدة من شعر ابن متادر، يقول عند اختيارها عن الشاعر: كان