/ صحفة 294 /
ثكلتك أمك، إنما كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.
وكان عبد الله بن عمر يبالغ فيما يراه من ذلك مبالغة غير مقبولة، حتى إنه لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع حشمه وولده وقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل _ يعني يزيد _ على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه، وروي عنه أيضاً أنه قال: ما وجدت في نفسي في شيء من أمر هذه الامة ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية، فقيل له: ومن ترى الفئة الباغية؟ قال: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم _ يعني بني أميه _ فأخرجهم من ديارهم، ونكث عهدهم.
ولا شك أن عبد الله بن عمر يكاد يخرج بهذا من الطائفة التي رأت اعتزال الفتنة حتى مع العلم بالمحق والمبطل، وليته حين انحرف في هذا عن رأيه لم يؤثر بني أمية الذين سنوا في الإسلام أخذ الامارة فيه بالقوة، وآثروا فيها سياسة الاستبداد على الشورى، فكانوا قدوة لغيرهم في هذه السنة السيئة، حتى تتابعت الدول الإسلامية عليها بعد ذهاب دولتهم، فأذلت المسلمين وأرهقتهم، وعلمتهم النفاق وأضعفت نفوسهم، حتى استكانوا لكل مستبد ظالم، بل حسنوا له الاستبداد والظلم، حتى نسوا حكم الشورى العادل، إلى ان عرفوا فضله في هذا العصر الحديث، وكان الفضل في ذلك لاتصالهم بأهل أوربا في هذا العصر، ولكنهم لم يعرفوا فضله إلا بعد أن ذهبت قوتهم، وفسدت نفوس خاصتهم وعامتهم، فلم يمكنهم الوصول إليه بسهولة، بل أوقعهم في فتن ومشاكل أدت إلى ضياع بلادهم، فوقعوا في حكم أجنبي جائر، وانثفلوا من شيء إلى أسوأ، ولا يدري ألا الله تعالى متى يتخلصون من حكم أولئك الاجانب فيهم، وكل هذا بسبب بني أمية الذين ينتصر عبد الله بن عمر لهم، لانه كان نتيجة حتمية لذلك السنة السيئة التي سنوها في حكم المسلمين.