/ صحفة 293 /
فالاكثر على أن المراد بها سواد الاعظم من المسلمين في أي زمن كانوا، وقال قوم: المراد بهم أهل العلم، لان الله جعلهم حجة على الخلق، والناس تبع لهم في أمر الدين، وقد استدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحذيفة بن اليمان في سؤاله عما يفعله إذا أدرك الفتن ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)) فقال حذيفة: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام. فقال له ((فاعتزال تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) وقد استدلوا على مذهبهم في أئمة الجور بما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)).
وذهب آخرون إلى أن أحاديث اعتزال الفتن وردت في حق ناس مخصوصين وهم الذين خوطبوا بها من أصحاب النبي صلى عليه وسلم، فكان اعتزالهم الفتن رخصة منه لهم، فلا يشاركهم فيها غيرهم، لأن الرخص لا يقاس عليها، وإنما هي خاصة بمن رخص له فيها.
وذهب آخرون إلى أن أحاديث النهي عن القتال في ذلك مخصوصة بآخر الزمان، إذ يحصل التحقق بأن المقاتلة إنما هي في طلب الملك لاغير، وقد استدلوا على هذا بما وقع في حديث من ذلك عن ابن مسعود ((قلت: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: أيام الهرج. قلت: ومتى؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه)) وهؤلاء يرون أن القتال الذي وقع بين الصحابة لم يكن في طلب الملك، وإنما كان في سبيل الدين، وكان لكل منهم رأيه فيه، فلا شيء عليهم فيما وقع منهم من قتال، لأنهم كانوا مجتهدين فيه، والمجتهد إن أصاب فهو مأجور، وإن اخطأ فهو معذور.
ولكن بعض من اعتزل ذلك من الصحابة كان لا يرى في قتالهم هذا الرأي، وقد روي عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثاً حسناً، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، حدثنا عن القتال في الفتن، والله يقول: ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)) فقال: هل تدري ما الفتنة