/ صحفة 292 /
فإذا علم فيها المحق من المبطل وجب الوقوف فيها بجانب المحق، ولا ضرر حينئذ من الدخول فيها، لانه لنصرة الحق وإزهاق الباطل، ومثل هذا يجب القيام به، ولا يدخل في الاشتغال بالفتن المنهى عنه.
وحمل بعضهم التحذير من الاشتغال بالفتن على العموم، حتى عند علم المحق من المبطل، ومنهم الذين قعدوا عن القتال الذي كان بين علي ومعاوية، كسعد ابن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، وكثير غيرهم من الصحابة، وقد أرسل معاوية إلى سعد يتنصرة، فأجابه بهذه الابيات:
معاويَ داؤك الداء العياءُ وليس لما تجيء به دواءُ
أيدعوني أبو حسن عليٌ فلم أردد عليه ما يشاء
وقلت له أعطني سيفاً قصيراً تميز به العداوة والولاء
أتطمع في الذي أعيا عليا على ما قد طمعت به العفاء
ليومٌ منه خير منك حيا وميتا أنت للمرء الفداء
ثم اختلف هؤلاء الذين آثروا اعتزال الفتن، فقال بعضهم بلزوم البيوت من غير مفارقة للبلد الذي وقعت فيه، وقال بعضهم بالتحول عن بلدها. ثم اختلفوا بعد هذا خلافاً آخر، فقال بعضهم: إذا هجم عليه شيء من ذلك يكف يده ولو قُتِل. وقال بعضهم: بل يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله، وهو معذور إن قتل أو قُتِل.
وقال آخرون: إذا بغت طائفة على الامام، فامتنعت من الواجب عليها، ونصبيت الحرب، وجب قتالها، وكذلك لو تحاربت طائفتان وجب على كل قادر الاخذ على يد المخطيء ونصر المصيب، وهذا هو قول الجمهور. وفصل آخرون فقالوا: كل قتال وقع بين طائفتين من المسلمين حيث لا إمام للجماعة، فالقتال حينئذ ممنوع، وتنزل الاحاديث الواردة في النهي عن القتال في الفتن على ذلك، وهو قول الاوزاعي، فلزوم الجماعة في الفتن هو الواجب عند الجمهور، فيجب اتباعها عندهم في الفتن ولو اجتمعت على أئمة الجور)) وقد اختلفوا في المراد بالجماعة،