/ صحفة 267 /
ولكنها انقلبت مزاجا أسود أصاب الملوك، وليس من ورائها مجد يستحق أن يسعى إليه، وأن تراقى في سبيله الدماء، وكان في كل بيت مأتم، وكثرت الضحايا جيلا بعد جيل، وكان الجند من أبناء الحراثين هم المشاة، يخدمون الأساورة (الفرسان) ويزج بهم في الحرب وعليهم دروع خفيفة، ليست مما يستعمله الأساورة، على أن معظمهم كان يتخذ من جلود الماشية دروعا. ولم تدم نظرة الششعب إلى الرؤساء الذين ينتسبون لهذه الطبقات فالملوك لا يحترمون الدين، والملوك لا يرعون حق الوطن، ومنهم من يلجأ لعدو ايران من أجل العرش، ورجال الدين ليسوا من الدين في شيء، بهرتهم المظاهر، وألهاهم الغنى، وأذلهم الطمع، وأفسد رسالتهم الحرص على الدنيا، والأشراف ورجال الدين في عداء ظاهر للناس، يكيد بعضهم لبعض، وكل طائفة ترعى مصلحتها وحدها، وحين الم القحط بايران تركوا الفقراء يموتون جوعا. ولهذا كله ضاعت المثل العليا التي آمن الشعب الايراني من قبل بأن رجال الطبقات الثلاث الأولى أمناء عليها، ولهذا تزعزع ايمان الشعب بهذا النظام، وكان أن انتهز أول فرصه أتيحت لـه ليعلن كفره بالوضع الاجتماعي الظالم، فثار حين جرؤ مزدك على التحدث عن العدالة الاجتماعية، وأمسك الشعب بزمام الثورة، فأحرق أول ما أحرق كتب الأنساب، ولكن أنوشروان قضى على هذه الثورة. وان لم يقض على ما في النفوس من الاحساس بالظلم والتطلع إلى من يتحدث عن المساواة بين الناس.
* * *
وظهر الإسلام أيام كسرى پرويز، آخر الساسانيين الأقوياء وكانت الصلة بين الفرس والعرب قد ازدادت عن ذي قبل. فان اليمن أصبحت ولاية فارسية، وحاكمها باذان مجوسي تابع لملك الفرس، وكانت المجوسية فيه وفي تميم أيضا، وكانت النزندقة في قريش أخذوها من الحيرة، والحيرة نفسها كانت نصارى ومجوسا {النص عند ابن رسته في الاعلاق النفسية. انظر دينكرد ص 138 المحمد جواد مشكور بالفارسية}. وحديث الإسلام يجري على كل لسان ويشيع في فارس. وتضطرب