/ صحفة 262 /
وأصوله، المطلع على كيفية استنباط الأئمة السابقين أن يدرج هذه الأمور المستحدثة تحت ضابط أو قاعدة شرعية تشملها، أو الحاقها بنظائرها، والشريعة لا تخلو عن ذلك.
ثم من مارس الفقه وأصوله اتضح له أن بيان الأحكام الشرعية التي رويت وافتاء الناس بها ليس من حق كل احد لأنه لا يستطيعه على وجهه الصحيح الا من تلقي علوم الشريعة اصولا وفروعا ووسائلها باستيعاب، وراجعها المرة بعد المرة بتدريس أو نحوه حتى أحاط بدقائقها وألم بظاهرها وخفيها، ووقف على مداركها وأدلتها والا لم يأمن من الوقوع في الزلل والافتاء بالخطأ فيضل ويضل غيره، وقد قال الله تعالى: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين، إنّما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) أي يأمركم الشيطان أن تقولوا هذا حلال وهذا حرام من غير علم، وذكر سبحانه وتعالى ان تقولوا على الله ما لا تعلمون بعد ذكر الفحشاء مع أنه من جملتها، لأنه أعظم أنواعها، فالتهجم على الفتوى أمر عظيم الخطورة، وكان الواجب أن يصون القانون العام للدولة الشريعة الإسلامية ويحميها من عبث العابثين، كما صان صناعة الطب، فان الخطر على الاديان كالخطر على الأبدان أو أشد.
إذا علمت ما بيناه من أنواع الأحكام الشرعية وخصائص كل نوع علمت أن كل من أبدى حكما خلاف ما علم أنه من النوعين الأولين وبخاصة النوع الأول وبالأخص إذا نشره ودعا الناس إليه، وجب على المسلمين على الأقل زجره وردعه حتى يتوب إلى الله ويرجع عن رأيه وتزول آثاره السيئة، ويحصل الاطمئنان بأن لا يعود هو أو أمثاله إلى مثل هذا الرأي. ولا يجوز لمسلم أن يدافع عنه ويؤيده. أما النوع الثالث فقد وسع الله فيه على عباده، فكل مكلف لم يصل إلى درجة الاجتهاد وجب عليه أن يتبع في تلك الأحكام المختلف فيها من تطمئن إليه نفسه من الأئمة المجتهدين، وليس لأحد الانكار عليه في هذا الاتباع.