/ صحفة 261 /
(أولا) لأنه وقع في زمن الرسول بين الصحابة وأقرهم عليه، و(ثانيا) لأنه ضروري لا يمكن التغاضي عنه، لأن المجتهد إذا أفرغ وسعه واستنبط الحكم من الأدلة، واطمأنت نفسه إليه لا يجوز له مخالفته اتباعا لغيره، و(ثالثاً) لأنه لا ضرر فيه، وإنّما فيه فسحة وتيسير على العباد.
وقد اتفق الأئمة المعتبرون على أن كل مكلف غير مجتهد عمل بما تحقق أنه استنبطه أحد الأئمة المجتهدين يخرج عن عهدة التكليف سوائ قلنا ان كل مجتهد مصيب، وحكم الله في الحادثة الواحدة يتعدد، أو ان المصيب فيها واحد والباقي مخطئ، وحكم الله لا يتعدد، له في كل حادثة حكم واحد، لأنه لا يترتب على هذا الخلاف الا أنه على الرأي الثاني يكون للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد: والله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم المصيب في الواقع من المخطئ، وهو الذي يمنح بفضله الأجرين للمصيب والأجر للمخطئ.
ومن عرف دقة الأدلة التي ذكرتها ظهر لـه بوضوح تام انه لا يستطيع استنباط هذه الأحكام أي واحد، وإنّما الذي يستطيعه هو المجتهد، وله شروط ضرورية مبنية في أصول الفقه، منها أن يكون فقيه النفس عالماً بعلوم اللغة العربية وأصول الفقه وبمتعلق الأحكام من الكتاب والسنة محيطاً بمعظم قواعد الشرع، ممارساً لها حتى يكتسب قوة يفهم بها مقصود الشارع خبيراً بمواقع الاجماع كي لا يخرقه واقفا على الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، وغير ذلك مما تنوء بحمله الجبال، وهل يمكن وجوده الآن أو لا يمكن، وعندي أنه لو وجد لا تظهر لـه فائدة في الأحكام التي استنبطها فعلا الأئمة المجتهدون الا ترجيح بعض المذاهب، لأنه لابد أن يوافق أحد المجتهدين ولا يجوز له مخالفة الجميع فيما اتفقوا عليه، والا عد خارقا للاجماع وهو لا يجوز، نعم تظهر له فائدة في استنباط الأحكام في الأمور المستحدثة التي لم ينظرها المجتهدون السابقون ولا اتباعهم لأنها لم تكن في زمانهم، وهذا من ضروريات الشريعة، وفي ظنى ان هذا ليس بعسير، لأن ما مهده السالمون من الضوابط والقواعد يمكن العالم باللغة العربية المتبحر في علم الفقه