/ صحفة 255 /
أيا كان نوعها وأيا كان مرتكبها قد وجبها بعض مشرعي مقدونيا واسبرطة على الأحداث والشبان لاعتقادهم أنها تدربهم على شئون الحرب وتأخذهم بالأمور اللازمة للجندي في ساحة القتال من المهارة والخدعة وسرعة الحركة ومواجهة ما يطرأ من أخطار لم تكن في الحسبان... وما إلى ذلك. وكان الشاب السارق لا يعاقب الا إذا قبض عليه وبيده الشيء المسروق قبل أن يتمكن من اخفائه في مكان ما، وكان لا يعاقب في الحقيقة على السرقة نفسها، وإنّما كان يعاقب لعدم مهارته في اقترافها واحكام وسائلها.
وبالجملة لا نكاد نعثر على نظام خلقي أقره العرف في جميع العصور وعند جميع الأمم. وهكذا تصدق عبارة مونتاني: (ان أقبح الرذائل في نظر امة قد يكون واجباً في نظر غيرها، ومحال أن نعثر على جرم خلقي لم تعده أمة ما فضيلة أو مباحا)، وكلمة پاسكال: (ان ثلاثه درجات عرض لكافية أحيانا في قلب حقائق الأمور الخلقية، فما هو حق شمالي جبال الپرانس قد يكون باطلا جنوبيها.
وقد جاء هذا الاختلاف نتيجة للخاصةالتي نتحدث عنها، وهي أن الظواهر الخلقية لا تنبعث عن العقل، ولا تعتمد على المنطق الفردي، ولا يمكن أن يقام عليها أدلة عقلية قاطعة يسلم بها جميع الناس كالأدلة التي تقام على حقائق العلوم، وإنّما تعتمد على ما تواضع عليه المجتمع وأقرته تقاليده.
2ـ أن كثيرا من الظواهر الخلقية لا يعاقب عليها القانون، وإنّما يترك للرأي العام أمر حراستها ومقاومة الخروج عليها. فالكذب والحسد والحقد والغيبة والنميمة والتكبر والزهو والبخل وعقوق الوالدين وقطع الرحم... كل هذه الأمور وما اليها لا يتعرض مقترفوها في معظم الأحوال لعقاب قانوني، مع أن أخفها يعد في نظر النظام الخلقي أمرا ادا وحوبا كبيرا.
وغنى عن البيان أن الرأي العام نفسه لا سلطان له الا على ما يظهر من عمل المرء، ولا يستطيع سبيلا إلى مقاومة ما يقترفه في الخفاء من أعمال مجانبة للنظام الخلق