/ صحفة 246 /
الجزاء من جنس العمل:
وهكذا كانت عقوبتهم على النكوص والجبن هي النتيجة الطبيعية لنكوصهم وجبنهم، والجزاء من جنس العمل، فقدر الله عليهم أن يبقوا تائهين أي متحيرين أشقياء مضطربين في البيداء أربعين سنة، وهي المدة التي ينقرض في مثلها عادة جيل ويأتي بعده جيل، فعاملهم الله تعالى بهذه السنة حتى يفنى كبارهم ومتصرفوهم الذين عاشوا في الذل، وألفوا العبودية، وانطبعوا على الخوف والجبن، ويأتي من بعدهم جيل عاش عيشة البدو، وانطلق على الفطرة حراً أبيا.
الأمم في ابان ضعفها تخاف الاصلاح وتأباه:
ومن تأمل حوادث التاريخ، ودرس طبائع الأمم، علم أن الشعوب إذا أقامت على الخسف، وطال عليها الأمد تحت حكم الاستبداد والفساد، ضعف استعدادها للمعاني الشريفة، وأصابها استرخاء يعوقها عن النهوض، واستمراء لما درجت عليه من حياه الضعف والخمول، حتى لو أنه تهيأت لها سبل الخروج من هذه الحياة لسدتها على نفسها، ولفرت من سلوكها، ولاعتبرت من يدعوها إلى ذلك مريداً الشر بها، معتدياً على حياتها الآمنة الساكنة، وهكذا يفعل الالف والاعتياد.
الصبر والأمل عدتان لمن أراد الاصلاح:
وان في ذلك لعبرة لمن اراد أن يخلص أمته من أية ناحية من نواحي الضعف التي استنامت اليها، وألفتها وجرت منها مجري التقاليد والعادات، فعليه أن يتوقع منها النفور والتوجس والمقاومة والايذاء، وعليه أن يصبر أمام هذا كله، وأن يكون قوي الأمل، فإذا لم يسعفه النجاح على أيدي الجيل الذي فسد بالالف طبعه، فستجد دعوته من بعد ذلك آذاناً مصغية، وقلوباً واعية، وسيصبح ما كان بدعا مستحدثاً، تاريخاً وسلفا وسابقة يؤخذ بها، ويقاس عليها.
* * *