/ صحفة 245 /
حاربونهم أخيراً في فلسطين لم يجدوا فيهم الا ذلك، ولكنهم إنّما لم يقضوا عليهم لأن ألاعيب السياسة قد عبثت بهم، وفرقت كلمتهم، وقطعت جيوشهم، فأفسدت خططهم، وهي سنة أخرى من سنن الله في خلقه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
وانه ليجب على المسلمين ان يدركوا سنن الله في خلقه، وأن يلتمسوا النصر والقوة بأسبابهما، وألا يظنواأن السماء تهبهم النصر هم ليسوا أهلا له، نعم ان النصر بيد الله (وما النصر الا من عند الله). (ينصر من يشاء) ولكن سنته أنه لا يشاء نصر المفرطين في حق أنفسهم وأوطانهم، وإنّما يشاء نصر المؤمنين العاملين (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي). (انا لننصر رسلنا والذين آمنوا). (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
نكوص اليهود عن دخول الأرض المقدسة:
3ـ جبن بنو اسرائيل، وعصوا أمر رسولهم بدخول الأرض المقدسة وأساءوا له القول حيث (قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون) فجمعوا إلى الجبن سوء الأدب في الرد، ففاض قلب موسى بالألم ونادى ربه شاكيا متحسرا داعيا عليهم: (قال رب اني لا أملك الا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) وعندئذ استحقوا عقوبة الله جزاء وفاقا على خلافهم وسوء قولهم، واجابة ونصراً لرسولهم الذي أغضبوه وأحرجوه، فبم عاقبهم الله؟ (قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين) والتحريم في هذه الآية ليس تحريما شرعياً تكليفياً، وإنّما هو بمعنى المنع الفعلي، وجريان السنة الالهية عليهم بعدم دخلوها، وهو في هذه الآية مثله في قوله تعالى: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) يعني لا يمكن أن يكون منهم عدم الرجوع، لأن الرجوع أي البعث مقرر بأمر الله وكلمته فلا مناص منه.