/ صحفة 244 /
الرجلين الذين أنعم الله عليهما قالا لهم: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فانكم غالبون) فسنة الله تعالى أن من ارتد على أعقابه ناكصاً عن الجهاد وتنفيذ أمر الله واقتحام الشدائد في سبيل حقه، انقلب من الخاسرين، وأن من أقدم على عدوه، واستبسل وهاجمه في عقر داره غلبه وأوقع في قلبه الرعب، وفي كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما يفسر ذلك إذ يقول في خطبة من خطبه:
(أما بعد فان الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل وسيم الخسف، وديث بالصغار، وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسراً وجهارا، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالذي نفسي بيده ما غزي قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا، فتخاذلتم وتواكلتم وثقل عليكم قولى واتخذتموه وراءكم ظهريا، حتى شنت عليكم الغارات!).
والذي حدث من بني اسرائيل في هذه الواقعة نفسها أنهم خافوا وجبنوا واستثقلوا أمر موسى اياهم بالدخول، وعصوا أمر الناصحين منهم، وقالوا:
(ان فيها قوماً جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون) وهذا الرد يدل على أن القوم جبناء قد تمكن الجبن من قلوبهم، وتلك طبيعة اليهود المعروفة إلى اليوم، لا يواجهون قوماً بالحرب، لأنهم كانوا وما يزالون ـ كما يقول القرآن ـ (أحرص الناس على حياة). (لا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).
والقوم الجبارون الذين كانوا في هذه الأرض كما تقول الرايات هم بنو عناق وكان فيهم قوة وتجبر، وكانوا أولى بأس شديد، وعظم في الخلق والأجسام، ففزع منهم اليهود وخافوهم وجبنوا عن منازلتهم لأنهم كانا قد طال عليهم الأمد في الذل والاستعباد، والأمم إذا طال عليها ذلك ضعفت وتغلغل في قلوب أبنائها الجبن، وآثروا السلامة والعافية، ولو في ظلال الذل والاستعباد، ولذلك نرى اليهود وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة جبناء تنخلع من الحرب قلوبهم، والذين