/ صحفة 239 /
ارادة، ولا يتمتع بحقه الطبيعي في التصرف، فهو عبد مملوك، وشتان بين العبد المملوك والسيد المالك.
وقد استشكل بعض الناس على الآية بأنه لم يعرف أن بني اسرائيل على عهد موسى كان فيهم ملوك وان وجد فيهم ملوك بعد ذلك، وهذا الاستشكال مبني على فهم أن المراد بالمملوك أصحاب السلطة والصولجان، وهو فهم لا يساعد عليه نص الآية، ولا ما جاء في السنة تفسيراً لها.
فنص الآية (وجعلكم ملوكا)، ولو كان المراد ملوك السلطان والصولجان لجاء النص: وجعل فيكم أو منكم ملوكا، لأنه لم تجر العادة بأن يكون أفراد الشعوب جميعاً ملوكا بهذا المعنى، ويؤازر ذلك أن الآية فرقت في التعبير بين جعل الأنبياء وجعل الملوك فقالت (إذ جعل فيكم أنبياء، وجعلكم ملوكا) ولا سر لهذا الا ارادة معنى في جعلهم ملوكا يصلح أن يقع فيه الفعل على ضمير المخاطبين، وهذا المعنى هو ما ذكرناه من أنهم صاروا أحراراً متصرفين سادة لأنفسهم.
وفي السنة روايات تؤيد هذا المعنى منها ما رواه البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال (وجعلكم ملوكا: المرأة والخادم) ومنها حديث أبي سعيد الخدري المرفوع عند ابن أبي حاتم (كانت بنو اسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامراه كتب ملكا) فذلك يفيد أن المراد بكونهم ملوكا غير الملكية بمعنى السلطان والصولجان، وهي العيش في كفاية مع حرية التصرف، وعدم الشعور بضغط من طاغ أو مستعبد.
واما ايتاؤهم ما لم يوت أحد من العالمين، فهو اجمال لكثير من الوان النعم بعد ذكر النعمتين السابقتين، وفي سورة البقرة تفصيل لهذا الاجمال يبدأ من قوله تعالى (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون,وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولاتشتروا بآياتى ثمنا قليلا, واياى فاتقون) وقد جاء بعد هاتين الآيتين في سورة البقرة تفصيل كثير من النعم في مثل قوله تعالى: (وإذ نجيناكم من آل فرعون) (وإذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم وأغرقنا