/ صحفة 238 /
بعد أن قضى على خصومهم، وأراهم مصرع الطاغية الأكبر الذي سامهم سوء العذاب، فماذا فعلوا حين ناشدهم نبيهم موسى الذي نصرهم الله به أن يدخلوا الأرض المقدسة لتكون لهم دار عزة، ومتبوا ملك وعظمة؟ لقد تمردوا على نبيهم وعلى أمر ربهم ونسوا النعمة وأنكروا الفضل! ولم يرضوا بدخول هذه الأرض.
هذا هو السياق الذي جاءت فيه القصة، وهذا هو الوجه في ارتباطها بالنداء الذي ذكرت بعده في السورة: ربط بين حاضر هؤلاء القوم وماضيهم، وتسلية للنبي والمؤمنين عما أصابهم من كفرانهم وغدرهم ولؤم طباعهم، وتقوية وتثبيت لدعوة الحق بتعريف أصحابها بما لم يكونوا يعرفون كثيرا منه من تاريخ معانديهم ومخاصميهم، حتى إذا آن الأوان للتخلص منهم، والقضاء عليهم، لم يكن في القلوب أي ميل إليهم، ولا آية رحمة بهم.
* * *
نعم الله على اليهود:
2ـ ذكرهم موسى (عليه السلام) بنعم الله عليهم، وبين هذه النعم بقوله: (إذ جعل فيكم أنبياء، وجعلكم ملوكا، وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين).
فأما جعله فيهم أنبياء فأمره معروف مشهور، فقد تعدد أنبياؤهم وكثروا حتى قيل ان السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه كانوا أنبياء، ولا يوجد شعب من الشعوب ينافسهم في هذه الكثرة، ولكن ذلك لا يقتضي الفضل في أفرادهم، بل لعله يقتضى أنهم كانوا لكثرة افسادهم، والتواء نفوسهم، وعتوهم ونفورهم، بحاجة إلى كثرة من الأنبياء يصطفيهم الله، ويهديهم بوحيه، تخفيفا من الشر، وتأييدا للخير، ومؤازرة لجانب الحق.
وأما جعلهم ملوكا فالمراد به جعلهم أحرارا ساد بعد أن كانوا تحت حكم الفراعنة عبيداً أذلاء، فان الفرد في مجتمع حر يشعر بأنه ملك لأنه سيد في نفسه، سيد في تصرفه، وعلى العكس من ذلك الذليل الخاضع الذي لا يعرف لنفسه