/ صحفة 237 /
عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) وهو اشارة إلى حادث معروف في تاريخ النبي والمؤمنين مع اليهود أول العهد بالمدينة. فقد عاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني النضير على ألا يحاربوه، وأن يعينوه على الديات، فلما قتل عمرو بن أمية الضمري الرجلين الكلابيين الذين أمنهما الرسول ـ ولم يكن عمرو بن أمية يعلم بهذا الأمان، وكان قومهما محاربين ـ قرر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدفع لأهلهما الدية احتراما لامانه , فذهب إلى بنى النضير ومعه ابوبكر وعمر رضى الله عنهم , وطلب منهم ان يعينوه على هذه الدينة كما هو العهد بينه وبينهم، فأظهروا له القبول، وقالوا اقعد حتى نجمع لك، لقد آن لك يا أبا القاسم أن تاتينا وتسألنا حاجتك، فاجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فلما جلس بجانب جدار لهم تحركت فيهم طبيعتهم الغادرة، ورأوا الفرصة مواتية للقضاء على الرسول، وقال لهم حي بن أخطب: لا ترونه أقرب منه الآن، اطروحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شراً ابدا، فهموا أن يطروحوا عليه صخرة أو رحى عظيمة، فأعلم جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فانطلق وتركهم، فبهذا يذكر الله رسوله بنعمته إذ أنجاه وأنجى أصحابه من هذا الكيد، فناسب أن يتبع هذا التذكير ببيان شيء من تاريخ اليهود المنبئ بأن أخلاق السوء والخسة متأصلة فيهم، ليكون ذلك تسلية للرسول وأصحابه باعلامهم أنهم ليسوا أول من عانوا شرهم، وكابدوا غدرهم، فقد عاناهم وكابدهم نبيهم موسى من قبل، فإذا كان النبي والمؤمنون قد عاهدوا بني النضير، وآثاروا خطة الحسنى معهم، وأنعموا عليهم بالاعتراف بهم، وبتثبيتهم في ديارهم وأموالهم وبالتعامل معهم والارتباط بهم على طريقة الحلف التي تتضمن تكريمهم ورفعهم في المنزلة إلى أن يكونوا قرناء للمؤمنين موازنين لهم في القيمة الوجدية ـ إذا كا النبي والمؤمنون قد أنعموا عليهم بهذا الاعتداد بهم، فكفروا بهذه النعمة، وغدروا بأصحابها، فان لهم في الكفران بالنعم سلفا وتاريخا: ألم ينعم الله تعالى على آبائهم بالحرية والتخليص من استعباد الفراعنة اياهم، واذلالهم لهم، وتذبيحهم أبناءهم، واستحيائهم نساءهم؟ ألم يخرجهم سالمين موفورين من دار المهانة والذلة