/ صحفة 235 /
فان من المتعين على كل منصف أن يأخذ برواية القرآن عند الأختلاف، نزولا على مبدأ هيمنة القرآن على ما بين يديه من الكتب، التي ما كانت الا لأنه حفظ من التحريف والتبديل اللذين أصابا غيره، أما ما زاد على ما جاء في القرآن مما ثبت عند أهل الكتاب، فسبيلنا أن نقف منه موقف من لا يصدق ولا يكذب كما هي القاعدة التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول ما معناه (إذا حدثكم أهل الكتاب بما لا تجدونه عندكم فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم).
على أنه كلما أمكن الجمع بين ما جاء في القرآن، وما جاء في كتب الأديان السابقة، دون لي للقرآن، ولا تاويل بعيد يخرجه عن وضعه ككتاب عربي مبين، فان ذلك عندي لا بأس به، لأنه يوثر تأثيراً حسنا في أهل الأديان الأخرى، ويحقق على نحو أوسع معني قوله تعالى: (مصدقا لما بين يديه من الكتاب) كما يحقق،(ومهيمنا عليه).
أما روايات الآحاد الي صحت متناً وسنداً فهي مقبولة، ويجوز لمن اطمأن قلبه اليها أن يعتنق ما تدل عليه، أما من داخله في معناها شك أو لم يكن بطبعه ممن يسارعون إلى قبول مثلها، فان له مندوحة فيما قرره العلماء بصفة تكاد تكون اجماعية من التفرقة بين ما يثبت به العلم من معارف أو عقائد، وهو المتواتر، وما يصلح لاثبات العمليات الظنيات من الأحكام، وهو الآحاد، والناس ليسوا على شاكلة واحدة، وفمنهم من لا يسهل اقتناعه , ولا بطمئن قلبه الا إذا جاءه العلم عن طريق قطعى , ومنهم من يسهل عليه تقبل الرواية في العلميات من طريق آحادي ما دام هذا الطريق سليما، وهذه القاعدة هي التي حدت ببعض الناظرين في تفسير القرآن الكريم إلى الاقتصار على ما ذكره القرآن في القصص والأخبار، أو الاقتصاد الشديد في الرجوع إلى الروايات بمقدار ما تقضي به ضرورة الفهم للقرآن، ولكل وجهة هو موليها.
* * *
بعد هذه المقدمة ندخل في الحديث عن القصتين اللتين أردنا الحديث عنهما في سورة (المائدة) وبالله التوفيق: