/ صحفة 210 /
وبصرف النظر عما تحتويه هذه المحطة الذرية من غرف وعنابر متعددة لكل منها عمل خاص، فان الفرن الذري أي المولد للطاقة النووية موجود في صالة رئيسية، وهو يتوسط هذه الصالة، والشكل الظاهري لهذا الفرن الذري هو مكعب كبير يشبه في الشكل والحجم أضرحة الأولياء التي يلتف حولها الزوارز، وانك لا ترى شيئاً داخل هذا المكعب المقفل، ويشرح لك المختصون ما بداخله، مستعينين في ذلك بما لديهم من الرسومات التفصيلية.
ويوجد في الصالة ذاتها عدد من الأجهزة تسمح لفريق من المشتغلين بالبحوث النووية بالقيام بعمل قياسات مختلفة، بعضها معروف لنا، وبعضها كان حديثاً يحتاج إلى الشرح.
وتعتريك عند الوقوف أمام هذا المكعب الصامت روعة وأي روعة، حينما تتأمل أن الإنسان يسيطر لأول مرة في حياته الطويلة على الطاقة الذرية، ويحصل عليها لسعادته ومستقبله من داخل النواة العجيبة التي اقتحمها ودخلها ظافرا.
وكما يقف الزائرون في شيء من الورع والخشوع أمام أضرحة الألياء وقف هذا الفريق من العلماء، وبينهم من الأعلام من وفق لأهم الكشوف المعروفة، وقد لاحظت أن من بين الموجودين ثمانية من حملة جائزة نويل للطبيعة، وقفوا وقد بدت عليهم أمارات التأمل العميق، وعلت ثغورهم ابتسامة عذبة، هي ابتسامة الأمل.
وهكذا كنت كلما أجلت النظر في هذا المكعب الكبير وما يحيط به من آلات دقيقة، مرت بذهني الأحداث العملية الكبرى في نصف القرن الأخير، ومر سراعا في مخيلى من هذه الأحداث كيف استطاع (تومسون) الانجليزي (وجان بيران) الفرنسي (ومليكان) الامريكي أن يجدوا بوسائل مختلفة وغاية في البراعة شحنة الالكترون، ثم مرت في ذهني فلسفة (اينشتاين) في النسبية عند ما بين أن المادة هي الطاقة.