/ صحفة 201 /
بعيداً أن يكون هو أيضاً الحامل لأبي العباس على ذلك، وصلته بالبحتري، وحبه له، وتوافق ذوقيهما معلوم مشهور.
وقد يكون المبرد اعتد بوجود المشاكلة في شعر الفرزدق، لدلالتها على أصالة الطبع، وقوة النسج، ورأى عدم التناسب في شعر جرير دليلا على ما كان يوصف به شعره من أنه قليل التنقيح مشرد الألفاظ.
على أن المبرد أولا، وقبل كل شيء، لغوي نحوي، فما من شك في أنه أعجبه ما يعجب أمثاله، من الثروة الضخمة التي أفادتها اللغة العربية من الفرزدق، حتى قيل: لولا الفرزدق لضاع ثلث اللغة.
وعلى أن المبرد كان يفضل جريرا في بعض المواقف، مما يروى عنه، أنه قال: قد عابوا على العباس بن الأحنف ادخاله في الغزل هذا البيت:
فان تقتلوني لا تفوتو بمهجتي مصاليت قومي من حنيفة أو عجل
كما عيب على الفرزدق قوله:
يأخت ناجية بن سامة انني أخشى عليك بنى ان طلبوا دمي
وقالوا: ما للمتغزل وذكر الأولاد، والاحتجاج بطلب الثارات، هلا قال كما قال جرير: (قتلننا ثم لم يحيين قتلانا) وكما يروى عن ابن عباس رحمه الله تعالى فانه وان كان في باب الجد أشكل بمذهب الغزل ـ وهو قوله: (هذا قتيل الحب لا عقل ولا قود) ولقد ملح المحاربي في قوله:
لما رأت مقتلي قالت لجارتها لقد قتلت قتيلا ما له قدر
قتلت شاعر هذا الحي من مضر والله يعلم ما ترضى بذا مضر
فهذا على حال أقرب.
فها نحن أولاء، نرى المبرد يروى هذه القصة، وفيها تفضيل جرير، ولا يعلق عليها، مما يدلنا على أنه يسلم بهذا التفضيل، بل ويذكر أبيات المحاربي، ويفضلها على بيت الفرزدق.