/ صحفة 200 /
فثنى نصيب خنصره، فقال الكيمت له: ما تصنع؟ قال: أحصى خطأك، تباعدت في قولك (تكامل فيها الدل والشنب) هلا قلت كما قال ذو الرمة:
لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللئات وفي أنيابها شنب
قال المبرد: والذي عابه نصيب من قوله: (تكامل فيها الدل والشنب) قبيح جداً، وذلك أن الكلام لم يجر على نظم، ولا وقع إلى جانب الكلمة ما يشكلها، وأول ما يحتاج إليه القول أن ينظم على نسق، وأن يوضع على رسم المشاكلة(1).
ولكن مهما يكن نظر المبرد إلى هذا الأمر فانه لا يقبل من رجل حافظ دارس، لا يخفى عليه شيء مشتبه من الشعر والنحو والكلام والخطب والرسائل ـ كما يقول عن نفسه ـ أن يفصل في قضية تصاولت فيها الفحول، وتقاول فيها الأشياخ من العلماء والرواة والشعراء، بل واختصم فيها العامة اختصاما شديداً، أقول: لا يقبل من مثله أن يفصل في هذه القضية بهذه السهولة، فلعل هناك سبباً أو أسباباً أخرى كانت تحمل المبرد على تفضيل الفرزدق، خاصة أن الرواية السابقة لم تقل انه كان يفضله لذلك ولا غير، وأول ما يقع في خاطرنا من الأسباب، ذلك الذي جاء على لسان صديقه وصفيه البحتري، فقد كان أبو عبادة ـ أيضاً ـ يفضل الفرزدق على جرير، ويتعصب لذلك تعصباً شديداً، حتى لقد بلغ من تعصبه أنه كان يرى ألا يكلم من يفضل جريرا على الفرزدق، ولا يعده من العلماء بالشعر، وقد كان موقفه هذا موضع غرابة وتساؤل، لأن البحتري أقرب إلى جرير منه إلى الفرزدق، فكان البحتري يرد قائلا: كذا يقول من لا يعرف الشعر، لعمري أن طبعي بطبع جرير أشبه، ولكن من أين لجرير معاني الفرزدق، وحسن اختراعه جرير يجيد النسيب، ولا يتجاوز هجاء الفرزدق بأربعة أشياء، والفرزدق يهجوه في كل قصيدة بأنواع هجاء يخترعها، ويبدع فيها.
وقد كان هذا السبب هو الحامل لبعض العلماء والشعراء كأبي عبيدة والمرزباني وأبي الخطاب الأخفش، ومروان بن أبي حفصة على تفضيل الفرزدق، فليس

ــــــــــ
(1) الموشح للمرزباني ص 121.