/ صحفة 199 /
سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول: ما رأيت أشعر من هذا الرجل، يعني البحتري، لولا أنه ينشدني لما أنشدكم لملأت كتبي من أمالي شعره.
على أن المبرد كان مع تعصبه على أبي تمام ينصفه، إذا مر ببيت له فيه حذق، ذكر ـ وهو يتكلم على ما اختاره من أشعار المولدين ـ أبياتاً لابن أبي عيينة يذكر فيها أن الإنسان ما يمر عليه يوم الا وجد فيه عبرة لو فكر واعتبر، وأن كل ساعة تأتي وتنصرم تترك في قوم أثرا ثم قال:
ان الليالي والأيام أنفسها عن غير أنفسها لم تكتم الخبرا
وعلق عليه فقال: فأخذ هذا المعنى حبيب بن أومن الطائي، وجمعه في ألفاظ يسيرة، فقال:
عمري، لقد نصح الزمان وانه لمن العجائب ناصح لا يشفق
فزاد بقوله ناصح لا يشفق على قول ابن أبي عيينة شيئاً طريفاً، وهكذا يفعل الحاذق بالكلام.
* * *
وقد يبدو غريباً أن يكون أبو العباس محمد ممن يفضلون الفرزدق على جرير مع أن رقة اللفظ، وقرب المعنى، وعذوبة الكلام من خصائص جرير، ولكن الرواة يحدثوننا أن المبرد كان يفضل الفرزدق على جرير ويقول: الفرزدق يجيء بالبيت وأخيه، وجرير يجيء بالبيت وابن عمه(1).
وقد كان المبرد يعتد بهذه الخاصة في الشعر، ويرى أن الملاءمة أول ما يجب على الشاعر أن يقصد إليه، وأن عدم التناسب قبيح جدا، يدلنا على ذلك تعليقه على قصة نصيب مع الكميت بن زيد، روى المرزباني قال:
أخبر محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا محمد بن يزيد النحوي قا ل: حدثت أن الكيمت بن زيد أنشد نصيبا فاستمع له فكان فيما أنشده:
وقد رأينا بها حوراً منعمة بيضاً تكامل فيها الدل والشنب
الموشح للمرزباني ص 121.
(1) الموشح للمرزباني ص 121.