/ صحفة 18 /
توفية كاملة، فانه لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، ولا شك أن من الاهتداء والوفاء بعهد الايمان أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ما دمنا قادرين على ذلك في الحدود التي رسمها الله لنا، وهذا المعنى باق غير منسوخ، ولا تعارض معه بين هذه الآية وآيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو معمول به في كل وقت، فليس له زمان خاص.
هذا هو اجمال رأينا في الآية، ولا بأس بأن نتبع هذا الجمال بشيء من البيان:
ما روى عن الصحابة في معنى الآية:
فقد اختلفت الرواية عن الصحابة والتابعين في هذه الآية، فمن ذلك ما رواه الامام أحمد من أن أبابكر الصديق رضي الله عنه قام خطيباً (فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس انكم تقرمون هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يصركم من ضل إذا اهتديتم) ـ إلى آخر الآية ـ وانكم تضعونها على غير موضعها، واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (ان الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن الله عزوجل يعمهم بعقابه).
رأى بعض الناس في هذه الرواية أن أبابكر يروى عن الرسول صلى الله عليه وآله حديثاً فيه انذار بأن الناس إذا لم يغيروا ما يرونه من المكر موشكون أن يحل بهم عقاب الله، مع أن الآية تقول (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فهي تؤمن من زكى نفسه، وتقرر أنه لا يصاب بضرر يأتيه من ضلال غيره، فالأمر اذن بين حديث يثبت الضرر وينذر به، وآية تنفى الضرر وتبشر بأنه لا يكون، هذا هو الذي صور بأنه تعارض، واحتيج معه إلى زعم أن الآية منسوخة، وقد سمعت هذا الزعم ذات مرة من خطيب في أحد المساجد، ورأيته يضحى بالآية ويجزم بنسخها، وأن الذي نسخها هو هذا الحديث الذي رواه أبوبكر، ولا أدري كيف يقرر ذلك وليس في كلام أبي بكر ما يدل على أنه فهم النسخ، وإنّما هو يقول (وانكم تضعون هذه الآية في غير موضعها) فهو