صحفة 162 /
حتى هؤلاء في هذا الاثبات لرؤية الباري وعدم التأويل نزهوا هذه الرؤية عن أن تستلتزم الجهة والمقابلة والجسمية، فقد أورد سعد الدين التفتازاني في شرح العقائد النسفية اعتراضاً هذا نصه (وأقوى شبههم ـ أي منكري الرؤية ـ من العقليات أن الرؤية مشروطة بكون المرئى في غاية القرب ولا في غاية البعد واتصال شعاع من الباصرة بالمرئى، وكل ذلك محال في حق الله تعالى، والجواب منع هذا الاشتراط، واليه أشار بقوله فيرى لا في مكان ولا على جهة من مقابلة واتصال شعاع، أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى، وقياس الغائب على الشاهد فاسد).
فقد نزهوا الله أيضاً عن الجسمية والجهة والمكان، وآض الخلاف بينهم وبين المعتزلة إلى أنه هل من شرط الرؤية البصرية المواجهة والبعد المتوسط والمكان أو لا؟ يرى المعتزلة أن ذلك من شرطها فنزهوا الله عنها ويرى الأشعرية أن ذلك ليس من شرطها ورأوا ألا مانع من اثبات الرؤية مع المحافظة على تنزيه الله عن الجهة والمقابلة والجسمية.
والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من القديم إلى اليوم ما مذاهبهم؟ وما تعاليمهم؟ والمذهب الذي يعتنقه الأزهر ويدرسه لطلابه، وينشره في الآفاق ما هو، أهو ممن يؤول الآيات التي توهم التشبيه هربا من اثبات الجهة والجسمية والجوارح، وبالجملة هربا من التشبيه؟ أم هو ممن يأخذ هذه الآيات والأحاديث على ظاهرها، وإذا كان ممن يأخذها على ظاهرها أهو ممن يعتقد التنزيه أم ممن لا يعتقده كالكرامية؟
ان الأزهر يعلم مذاهب الاشاعرة والماتريدية، فهو من المؤولين والمنزهين ولا يذهب إلى ما يريده الناقد من أن الله من المحسوسات، فصاحب كتاب خرافة الميتافيزيقا بنفيه كل ما ليس بمحسوس، ينفى الله على رأي المسلمين وعلى رأي الأزهر وتعاليمه التي يعلمها، ويهاجم هذه المذاهب كلها، وناقدنا يؤيده في هذا الهجوم، ويلبس لباس من يدافع عن مذاهب المسلمين.
/