صحفة 156 /
إلى رأينا في المسألة تقريبا من حيث لا يقصدون، وقد ذكرهم النووي بعد أن زيف التأويلات بما سمعت، فقال: وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، وعن أبي اسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر (قال) ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته إذ لم يعلله بمرض ولا غيره، والله أعلم، هذا كلامه(1)، وبه صرح غير واحد من أعلامهم(2).
ولعل المحققين منهم في هذا العصر على رأينا كما شافهني به غير واحد منهم، غير أنهم لا يجرأون على مبادهة العامة بذلك، وربما يمنعهم الاحتياط، فان التفريق بين الصلوات مما لا خلاف فيه وهو أفضل بخلاف الجمع، لكن فاتهم أن التفريق قد أدى بكثير من أهل الاشغال إلى ترك الصلاة كما شاهدناه عيانا بخلاف الجمع فانه أقرب إلى المحافظة على أدائها، وبهذا يكون الأحوط للفقهاء أن يفتوا العامة بالجمع، وأن ييسروا ولا يعسروا (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والدليل على جواز الجمع مطلقاً موجود والحمد لله سنة صحيحة صريحة كما سمعت، بل كتاباً محكما مبينا، ألا تصغون لأتلوا عليكم من محكماته ما يتجلى به أن أوقات الصلوات المفروضة ثلاثة فقط، وقت لفريضتي الظهر والعصر مشتركا بينهما، ووقت لفريضتي المغرب والعشاء على الاشتراك بينهما أيضاً، وثالث لفريضة الصبح خاصة، فاستمعوا له وأنصتوا
ــــــــــ
(1) في ص 445 من الجزء الرابع من شرحه لصحيح مسلم المطبوع في هامش ارشاد الساري وتحفة الباري شرحي صحيح البخاري، ولا يخفى ميل النووي إليه في آخر كلامه، إذ أيده بقول ابن عباس وعلق على قول ابن عباس قوله فلم يعلله بمرض ولا غيره، فكان آخر كلامه ناقضاً لتأويله.
(2) كالزرقاني في شرحه للموطأ، وسائر من علق على حديث ابن عباس في الجمع بين الصلاتين ممن شرح الصحاح والسنن كالعسقلاني والقسطلاني وغيرهما.
/