صحفة 154 /
في تأولها على غمة وفي ليل من الحيرة مظلم، وحسبك ما نقله النووي عنهم في تعليقه على هذه الأحاديث من شرحه لصحيح مسلم. إذ قال ـ بعد اعتبارها ظاهرة في الجمع حضراً ـ:
وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب، فمنهم من تأولها على أنه جمع لعذر المطر (قال): وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين(1)، (قال): وهو ضعيف بالرواية الثانية عن ابن عباس من غير خوف ولا مطر(2) (قال): ومنهم من تأولها على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وظهر أن وقت العصر دخل فصلاها فيه(3) (قال) وهذا أيضا باطل لأنه ان كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء (قال) ومنهم من تأولها على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخل وقت العصر فصلاها فيه فصار جمعه للصلاتين صورياً(4) (قال): وهذا ضعيف أيضاً أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل (قال): وفعل ابن عباس حين خطب فناداه الناس الصلاة الصلاة، وعدم مبالاته بهم واستدلاله بالحديث لتصويب فعله بتأخيره صلاة المغرب إلى وقت العشاء، وجمعهما جميعاً في وقت الثانية، وتصديق أبي هريرة له، وعدم انكاره، صريح في رد هذا التأويل.
قلت: ورده ابن عبد البر والخطابي وغيرهما بأن الجمع رخصة فلو كان صوريا

ــــــــــ
(1) كالامامين مالك والشافعي وجماعة من أهل المدينة.
(2) على أنه بعيد عن اللفظ غاية البعد ولا قرينة عليه.
(3) هذا خرص ومجازفة ورجم بالغيب.
(4) وقد تعلم أن أبا حنيفة وأصحابه تأولوا صحاح الجمع حضراً وسفراً بحملها كلها على الجمع الصوري فقالوا بمنع الجمع مطلقاً وهذا غريب منهم إلى أبعد غاية وقد كفانا مناقشاتهم والبحث معهم عدة من الأعلام تسمع في الأصل كلامهم.