صحفة 152 /
قلت: هذه الصحاح صريحة في أن العلة في تشريع الجمع إنّما هي التوسعة بقول مطلق على الأمة، وعدم احراجها بسبب التفريق رأفة بأهل الاشغال وهم أكثر الناس، والحديثان الأخيران ـ حديث معاذ والذي قبله ـ لا يختصان بموردهما ـ أعني السفر ـ إذ علة الجمع فيهما مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفراً، ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي، وإنّما هي كالعام يرد في مورد خاص فلا يتخصص به، بل يطرد في جميع مصاديقه، ولذا ترى الامام مسلماً لم يوردهما في باب الجمع في السفر إذ لا يختصان به، وإنّما أوردهما في باب الجمع في الحضر ليكونا من أدلة جواز الجمع يقول مطلق، وهذا من فهمه وعلمه وانصافه.
وصحاحه ـ في هذا الموضوع ـ التي سمعتها والتي لم تسمعها، كلها على شرط البخاري ورجال أسانيدها كلهم قد احتجد البخاري بهم في صحيحه، فما المانع له يا ترى من ايرادها بأجمعها في صحيحه؟ وما الذي دعاه إلى الاقتصار على النزر اليسير منها؟ ولماذا لم يعقد في كتابه باباً للجمع في الحضر، ولا باباً للجمع في السفر؟ مع توفر الصحاح ـ على شرطه ـ الواردة في الجمع، ومع أن أكثر الائمة قائلون به في الجملة، ولماذا اختار من أحاديث الجمع ما هو أخسها دلالة عليه؟ ولم وضعه في باب يوهم صرفه عن معناه؟
واليك ما اختاره في هذا الموضوع ووضعه في غير موضعه إذ قال في باب تأخير الظهر إلى العصر من كتاب مواقيت الصلاة من صحيحه(1) ـ: حدثنا
ــــــــــ
(1) تعقبه شيخ الإسلام الانصار عند بلوغه إلى هذا الباب من شرحه ـ تحفة الباري ـ فقال: المناسب للحديث باب صلاة الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، ففي التعبير بما قاله تجوز وقصور، إلى أن قال وتأويل ذلك بأنه فرغ من الأولى فدخل وقت الثانية فصلاها عقبها خلاف الظاهر انتهى بلفظه في آخر ص 292 من الجز ء الثاني من شرحه، وقال القسطلاني في ص 293 من الجزء الثاني من شرحه ارشاد الساري: وتأوله على الجمع الصوري بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها ضعيف، لمخالفة الظاهر، وهكذا قال أكثر علمائهم ولا سيما شارحوا صحيح البخاري كما ستسمعه في الأصل ان شاء الله.
/