/ صحفة 141 /
كلها، وتقرر أن الدين يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض كافرون ضالون، وذلك يقتضى أيضا قبول هيمنة القرآن على ما قبله من الكتب، لأن الله تعالى يقول فيه (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لمن بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).
وقد جاء في أثناء تقرير هذه الحقيقة بأسلوبيها تقرير لسنة من سنن الخلق ينبغي أن يكون أهل الاصلاح على ذكر منها داثماً، تلك السنة هي ما أشير إليه بقوله تعالى: (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا، فلا تأس على القوم الكافرين).
فالجملة الأولى من هاتين الجملتين جملة اخبارية يقرر فيها القرآن أن كثيراً من الذين تساق إليهم هذه الحقيقة سيأبونها، ويزدادون بها طغيانا وكفراً، ذلك بأنهم سيقولون نحن متبعون ما عندنا، مقيمون له، فما بنا حاجة إلى غيره، وقد اعترفت يا محمد بأنه حق واجب الاتباع ففيم دعوتنا إلى سواه؟ مثل هذا القول سيقول أتباع اليهودية وأتباع المسيحية، وقد قالوه قديما، وما زالوا يقولونه ويرجفون به على الناس، وقد تجاهلوا ما ذكرناه من أن التوراة والانجيل كلاهما يأمر متبعيه بقبول الدعوة المحمدية والنزول على ما جاء به القرآن، وتجاهلوا أن الأديان مصدرها واحد هو الله جل علاه، فإذا أرسل الله رسولا لاحقا بعد رسول سابق، فأما أن يصدق اللاحق كما صدق السابق، وحينئذ يكون ما جاء به حقا يجب الاذعان له، والقبول لحكمه، وأما أن يكذب وفي يده برهانه وكتابه المبين، فيكون تكذيبه مع تصديق الأول تفرقة بلا مبرر بين السابق واللاحق مع اتفاقهما في الاتيان بالبرهان، واقامة الحجة على أنهما صادقان.
والجملة الثانية جملة انشائية مترتبة على الجملة التي قبلها: يراد بها استلال عوامل الحزن والأسى من نفس الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وقد قرن النهي فيها بالفاء المنبئة بالتعليل، كأنه يقول له: وإذ علمت أن هذا سيحدث، وأن كثيراً من الناس لا تزيدهم الحقيقة الا عتواً وطغياناً، وكفراً وعصياناً، فلا تعر الكافرين