/ صحفة 14 /
حكم فيه بالنهي والتحريم نصاً، وليس في قواعد الشريعة المحكمة تعرض له بالإبطال فإننا نحكم بصحته اعتماداً على أنه مما عفا الله عنه بالسكوت، وعلى أنه لو كان حراماً أو باطلا لأعلمنا بتحريمه بنص مباشر، أو بقاععة تؤخذ من نص، (وما كان ربك نسيا).
وهذا المبدأ هو ما عليه جمهور الفقهاء، وقد خالف فيه بعض المتأخرين، وجعلوا الأصل في ذلك البطلان إذا لم يقم عندهم دليل على الصحة، فأفسدوا بذلك كثيراً من عقود الناس ومعاملاتهم وشروطهم بلا برهان من الشرع، وقد جاء الإسلام وللناس عقود ومعاملات وشروط، فأبقى منها ما أبقاه، وحذف ما حذف، وعدل ما عدل، فلم يقل ان الحلال في المعاملات والشروط ما شرعته وأنشأته، ولكن قال ان ما لم أعرض له من معاملاتكم وعقودكم وشروطكم فانما تركته وجعلته عفواً اقراراً لتعاملكم به، واباحة له.
وهذا شأن غير شأن العبادات، فان الأصل فيها عدم المشروعية حتى يتبين أنها مشروعة، فلا يجوز لنا أن نعبد الله بعبادة، أو أن نتقرب إليه بقربة، الا إذا علمنا مشروعية هذه العبادة وهذه القربة، وفي هذا وذاك يقول العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه: (أعلام الموقعين ـ ص 34 من الجزء الثاني) ما نصه:
(الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم، والفرق بينهما أن الله سبحانه لا يعبد الا بما شرعه على ألسنة رسله، فان العبادة حقه على عباده، وحقه الذي أحقه هو ورضى به وشرعه، وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفو حتى يحرمها، ولهذا نعى الله سبحانه على المشركين مخالفة هذين الأصلين وهو تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه، وهو سبحانه لو سكت عن اباحة ذلك وتحريمه لكان ذلك عفواً لا يجوز الحكم بتحريمه وابطاله، فإن الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو، فكل شرط