/ صحفة 13 /
ربهم، وكفرهم بما كلفوا به، فقد كانوا يسألون ويلحون في طلب التفصيلات والتحديدات، فيشددون بذلك على أنفسهم، ويفتحون أبوابا من الشروط والقيود كانوا في غنى لو سكنوا، فلما كثر ذلك عليهم عادوا فاستثقلوه وضاقوا به ولم يطيقوه، ففرطوا فيه، وفسقوا عنه، وكفروا به، وتلك عاقبة التشديد والتكلف.
التفرقة بين ما نص عليه وما ترك بدون نص:
وهذا المبدأ الذي قررته هذه الآية، وما ذكرناه من الأحاديث النبوية، متناسق مع روح هذه الشريعة السمحة التي لا حرج فيها ولا اعنات ولا تشديد، وملائم لما عرف عنها من أنها صالحة لكل زمان ومكان، فهذا من أهم أسباب الصلاحية، حيث فرق المشرع الحكيم بين ما هو من الأمور الروحية التي تتحقق بها سعادة المرء في آخرته كالعقائد والعبادات، وكل ما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، فبينه بيانا كاملا، وأحاط المكلفين علماً بما يكفيهم منه، أو بما لا يكتفى منهم الا به، وكان سبيله إلى ذلك النصوص الكافية الشافية الواضحة، أما السائل الدنيوية وما تختلف فيه الأفهام، وتتغير في شأنه الظروف، وتتفاوت المصالح، فقد جاء به محتملا للنظر والاجتهاد، أو جعله عفوا متروكا يرجع فيه إلى أصول الشريعة من رعاية المصالح، وحفظ النفوس والاموال والاخلاق وعدم الحرج والتعسير، كل ذلك في ظل ما رسمه من الشورى والاجتهاد وبذل الوسع في معرفة ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
المعاملات والعقود والشروط عفو حتى يتبين التحريم:
ومما يتصل بمعنى هذه الآية مبدأ تصحيح العقود والشروط والمعاملات التي يتعامل بها المسلمون ما لم يثبت عن الشارع بطلانها أو تحريمها، وبيان ذلك أن هذه الآية وما ذكرناه من الأحاديث أفادت أنه لا يسوغ التحريم الا من الشارع، وأن ما سكت عنه الشارع فهو عفو لا يجوز الحكم فيه بتحويم، فإذا وجدنا معاملة من المعاملات، أو عقداً من العقود، أو شرطاً من الشروط، ليس للشرع