/ صحفة 138 /
لا تغلو في دينكم غير الحق، ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل) ولا شك أن الضال باضلال غيره أقل جرما ممن أضله.
* * *
هذا هو موقف النصارى من الإسلام، وموقف الإسلام منهم، لم يمعن الإسلام في تجريحهم والطعن عليهم كما فعل مع اليهود، لأنهم لم يفعلوا ما فعل اليهود، ولكنه جابههم بالحقائق التي كانوا يعرفونها ويمنعهم متاع الدنيا من اعلانها والأخذ بها، واعتبرهم لذلك ملتوين عن الحق، ضالين عن سواء السبيل، ولم يجاملهم في مقابل تلطفهم مع الدعوة بالسكوت عن بيان كفرهم وابطال عقائدهم الفاسدة، لأنه لا مجاملة في الحق، ولا تفريط في بيان الدعوة الصحيحة.
3 ـ لابد للمصلح من الجهر بالحقيقة كاملة
ان هذا الذي بيناه من موقف اليهود والنصارى من الإسلام وموقف الإسلام منهما، ليعد مفخرة لهذا الدين، فقد كان الانصاف مع الحزم هو رائد الإسلام، ولم يكن الاسراف في إحدى الناحيتين الا قصوراً أو طغياناً، فلو أن اليهود ترك لهم الحبل على الغارب، وأغمضت العيون عن مساءاتهم، واستهين بمكرهم وخبثهم، لكان ذلك تقصيراً شنيعاً في حق الدعوة، ولكان هذا التقصير جديراً بأن ينتهى بها إلى الضياع والموت، ولو أن النصارى عوملوا بمثل ما عومل به اليهود من الشدة والتجريح لكان ذلك افتياتا وازديادا، ولو أن الإسلام جامل النصارى أكثر مما فعل، فلم يواجههم بأخطائهم، ولم ينبههم إلى كفرهم وضلالهم لما كان دينا، ولما كان اصلاحا، بل كان قصاراه أن يكون تجمعاً سياسياً لاهم لأصحابه الا أن يجعلوا لأنفسهم مركزاً وشأنا، فكل ما يوصلهم إلى ذلك فهو مقبول منهم، والغاية في شرعة السياسيين تبرر الواسطة، وحاشا لهذا الدين أن يكون غير ما كان!