/ صحفة 136 /
شرف فيهم، ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم …) وقد جعل هذا الوفد يجادل عن النصرانية وعقائدها في التثليث وبنوة المسيح المزعومة لله سبحانه وغيرهما، والرسول يبين لهم ويسمعهم آيات الله، حتى انتهى الأمر إلى أن دعاهم إلى المباهلة تحقيقاً لقوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقالوا يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل، (ثم خلوا بالعاقب) وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لا عن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، وانه للاستئصال منكم ان فعلتم، فان كنتم قد أبيتم الا الف دينكم، والاقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ـ أي عيسى ـ فوادعوا الرجل ـ يريد النبي صلى الله عليه وآله ـ ثم انصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله فقالوا يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونرجع إلى ديننا … الخ) وقد روى أصحاب السيرة في هذا أن أبا حارثة امامهم وحبرهم الذي تقدم ذكره، انفرد بأخ له يدعى (كوز بن علقمة) فقال له: والله انه للنبي الذي كنا ننتظر، فقال له كوز: وما يمنعك منه وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم ـ يريد النصارى ـ: شرفونا ومولونا وأكرمونا، وقد أبوا الا خلافة، فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى ـ قال ابن اسحق: (فأضمر عليها منه كوز أخوه حتى أسلم بعد ذلك فكان يحدث بها).
فمن هذا يتبين ما قلناه من أن القوم آثروا دنياهم وما في أيديهم على الحق الذي عرفوه، فاستمروا على دينهم، وكانوا فيه مختلفين متجادلين كل يذهب إلى قول يقوله، فمنهم من قالوا ان الله ثالث ثلاثة، ومنهم من قالوا ان الله هو المسيح بن مريم، ومنهم من زعموا ألوهية مريم نفسها، إلى غير ذلك من الأقوال التي كانوا يتجادلون