/ صحفة 135 /
مظاهر أخرى فردية من الود:
وقد بدت هذه العاطفة المتبادلة من بعض أفراد النصارى في بلاد العرب كما بدت من النجاشي وأصحابه في الحبشة، ومن ذلك ما يحدثنا به أهل السيرة من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر الجلوس إلى نصراني في مكة يقال له (جبر) فكانت قريش تزعم أنه يعلمه، وما رووه من أن الرسول صلى الله عليه وآله، لجأ إلى حائط حين فر من السفهاء والصبيان في الطائف، فجاءه نصراني يقال له (عداس) بقطف من عنب الحائط فلما وضع النبي يده فيه قال باسم الله، ثم أكل، فنظر إليه (عداس) دهشا وقال هذا كلام لا يقوله أهل هذه البلاد، فسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بلده ودينه، فقال: أنا نصراني من نيتوى، قال له: أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فسأله عداس: وما يدريك ما يونس ابن متى؟ قال: ذاك أخي كان نبياً، وأنا نبي، فأكبّ عداس على رسول الله يقبل رأسه ويديه وقدميه.
كل ذلك يعطينا أن الأمر كان يسيرا سمحا بين الإسلام والنصرانية، ولكن الدنيا والمناصب والرغبة في الاحتفاظ بالجاه تسلطت على النصارى فآثروها على الحق الذي عرفوه، ووقفوا من الدعوة الإسلامية موقفاً سلبيا، ولم يكن لرؤسائهم الشجاعة الكافية لاعلان الحق أمام شعوبهم وعامتهم، وقد كادوا يمعنون بعد ذلك في خطة المعاداة للاسلام، ويخرجون عن موقفهم السلبي إلى موقف ايجابي ليس في مصلحة الدعوة، ولكنهم تداركوا الأمر وعادوا من قريب.
وفد نصارى نجران إلى الرسول ونكوصهم عن المباهلة:
وذلك ما رواه ابن اسحق وغيره من (أن وفداً من نصارى نجران قدموا إلى المدينة وعلى رأسهم ثلاثة من كبارهم، هم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون الا عن رأيه، واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر ابن وائل أسقفهم وحبرهم وامامهم وصاحب مدارسهم، وكان أبو حارثة قد