/ صحفة 126 /
فما هو الا أن بدأت تعاليم الإسلام تظهر، وآيات صدقه تداخل القلوب، وشعر اليهود بأن هذه التعاليم تستهوى كثيراً من علمائهم ورؤسائهم، وأن أصحابها جادون في نشرها وتأييدها والدفاع عنها بكل ما في استطاعتهم، وأنهم قد تركوا في المدينة وأخذوا يعدون العدة للقضاء على الوثنية والشرك في مكة، ولأخذ ثأرهم من قريش التي أخرجتهم من ديارهم وأموالهم ـ ما هو الا أن شعر اليهود بهذا كله، حتى داخلهم الحسد، وتحركت فيهم طباع اللؤم والخيانة، وكرهوا أن يثبت أمر هذا الدين أكثر مما ثبت، وعز عليهم أن يعيشوا في ظلاله وتحت سلطانه في مرتبة ثانوية، وان اكتسبوا الأمن والقرار، وأفادوا الرواج المادي في هذا الجوار، فأجمعوا أمرهم على أن يكيدوا للنبي والمؤمنين، وعلى أن يقفوا في وجه هذه الدعوة، يصدون عنها ويبغونها عوجا، ويحشدون كل ما لهم من قوة وجهد في الارجاف عليها، واثارة الشكوك فيها.
حرب الارجاف والجدل:
ويومئذ بدأت بينهم وبين الإسلام حرب أشبه بما نسميه في عصرنا الحاضر (حرب الأعصاب) كان قوامها الجدل والارجاف، واذاعة قالة السوء، واظهار الفرح بما يصيب المسلمين من شر، والحزن لما يصيبهم من خير، ودس المتظاهرين بالاسلام في صفوف المسلمين ليعلموا أخبارهم، وليثيروا من الاسئلة والشكوك ما يزعزع ايمانهم، إلى غير ذلك من ألوان الحرب والفتنة.
وفي ذلك يقول ابن اسحاق صاحب السيرة (ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العداوة بغياً وحسداً وضغناً لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن ظهروا بالاسلام، واتخذوه جنة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتعنتونه ويأتونه باللبس